: آخر تحديث

وسط تلاشٍ أمني... فرق "مقلقة" تسيطر على الأماكن العامة في لبنان!

13
12
15
مواضيع ذات صلة

عندما اطلعتُ على الأسلوب الذي جرى اعتماده لمراقبة المواطن السعودي مشاري المطيري في بيروت وخطفه، أدركتُ أنّ ما كنتُ قد توهّمتُ بأنّه مجرّد توجّس، وأنا أسير على الكورنيش البحري الممتد من الروشة الى مرفأ بيروت، ليس سوى حقيقة.

المشهد هناك مقلق للغاية، فهذه الفرق التي تفترش الكورنيش ليست من الرياضيين أو البائعين المتجوّلين أو السياح المأخوذين بجماليات الطبيعة البحريّة أو اللاهثين وراء فترة من الاسترخاء. في الواقع، يستحيل إدراج هذه الفرق في أيّ خانة طبيعية، إذ ينتابك شعور بأنّ أفرادها مكلّفون بأن يكونوا حيث هم، ومهمتهم مراقبة المارّين، وفي بعض الأحيان إخافتهم.

إنّ هذه الفرق، كما هي منتشرة، تسيطر سيطرة تامة على الواجهة البحريّة، وتشعرك أنت وأمثالك بأنّك دخيل وبأنّ سلامتك "هبة" منها.
 
ويستحيل عليك أن تقوى على هذه المخاوف، خصوصًا عندما تكتشف أنّ الحضور الأمني الشرعي مفقود تمامًا.

تحسب لوهلة أنّك تضخّم بعض الحالات الشاذة، ولكنّك عندما تعود في اليوم التالي، تجد أنّ الشواذ هو القاعدة، وأنّه أخطر مما كنتَ تظن، إذ إنّ البعض يرفع من وتيرة الاستعراض إلى مستوى محاولة إقفال الطريق أمامك، وهو يحمل عِصِي حادة الزاوايا.

ولمزيد من التأكيد، تسارع إلى استمزاج آراء من كانوا قد اعتادوا على مراودة الكورنيش البحري، إمّا لممارسة الرياضة أو للتصوير والرسم، فتجدهم يستهجنون ذهابك إليه، على قاعدة أنّه "أصبح خطرًا".

تقول في سرّك: ما لي وللمشاكل، فالواجهة البحرية في لبنان طويلة، فلأنتقل الى ضبية، في ساحل المتن الشمالي.

وهناك تصاب أيضًا بصدمة، فخارج أسوار المنطقة الخاصة المحمية ب"الأمن الذاتي" يعود المشهد نفسه الذي كنت قد هربت منه في واجهة بيروت البحريّة.

تسأل العارفين فينصحونك، بوجوب الابتعاد عن الأماكن المفتوحة والاكتفاء بالمنتجعات الخاصة، فهناك الأمان والحماية!

ولكن ممّن تتشكل هذه الفرق؟

لا جواب موحّدًا عن الهويات الحقيقية، ولكن الجميع يتقاطعون على أنّها تحتل الأماكن العامة وتفرض قانونها عليها.

وإلى هذه الجموع ينتمي هؤلاء الذين رصدوا المواطن السعودي مشاري المطيري وتعقبوه قبل أن يخطفوه!

الانطباع الذي ينتهي إليه المراقبون أنّ اللبنانيّين والمقيمين في لبنان والسياح، يقعون تحت رحمة عصابات الخطف، سواء كانت أهدافها مالية أو سياسية متدثرة بالمال، فالجميع تحت الرقابة وقيد الرصد وفي خطر.

وهذا انطباع سيّئ للغاية، ففي الدول الديكتاتورية يخضع الجميع لرحمة الدولة وأجهزتها، ولكن في لبنان أصبح الجميع تحت رحمة العصابات.

ولهذا السبب، بدأ كثيرون يتجنّبون ريادة الأماكن العامة، وهي من النقاط الحياتية والسياحية الجاذبة، ولجأوا الى الأماكن والمنتجعات الخاصة المكلفة للغاية.

وهذه المظاهر الشاذة، تقوّي مشاعر التفرقة في لبنان، وتعطي دعاة التقسيم حججًا إضافيّة لتعزيز منطقهم الذي يدعو إلى انفصالات الجماعات اللبنانية بعضها عن بعض الآخر، كما يقوّي عضد دعاة "الأمن الذاتي" الذي لا بدّ من أن يقود في النهاية إلى صدامات لا يعرف أحدًا إلى أين يمكن أن تنتهي!

وعليه، لا بدّ من إيجاد حلول سريعة لوضع حدّ لهذه الشواذات في الأماكن العامة، إذ لن يقبل أحد أن يقع تحت تجربة الانفلات الأمني في انتظار عمليات تحرير أو سلوكيات عقابية لاحقة، فالمواطنون والمقيمون والسياح لا يفتشون عن أبطال ينقذونهم، بل عن أجهزة أمن تحميهم وقائيًّا!

وهناك شكوى على الأجهزة الأمنية التي إن لم يكن بإمكانها أن تمنع أحد، على الشبهة الشكليّة، من ارتياد الأماكن العامة، فإنّ بإمكانها أن تخضع الجميع، وبشكل دوري، للتدقيق بالهويات والتأكّد ممّا يحملونه على أجسادهم.

إنّ المواطن والمقيم والسائح في لبنان بدأوا يشعرون، أكثر فأكثر، بوطأة تفوّق العصابات عليهم، وهذا من شأنه، وفق ما بدأ يظهر، أن يفرّغ البلاد أكثر فأكثر من السكان وأن يتسبّب، في وقت لاحق، بوقف تدفق السيّاح على لبنان "الذي لم يعد لنا"، كما بات يقول كثيرون.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد