: آخر تحديث

التّطبيع مع إيران: بعد السّعودية مصر؟

9
11
12
مواضيع ذات صلة

لم تأتِ زيارتا سلطان عُمان هيثم بن طارق آل سعيد لمصر أولاً، ثم لإيران من فراغ. فكل المعلومات تشير إلى أنه اضطلع بمهمة العمل على تطبيع العلاقات بين البلدين، وذلك بعد سنوات طويلة من القطيعة تعود إلى أيام شاه إيران الراحل محمد رضا بهلوي الذي استضافته مصر أنور السادات في آخر أيام حياته وتوفي في القاهرة بعيداً من بلده. وقد تردت العلاقات بين البلدين إلى حد كبير طوال العقود الأربعة الأخيرة، وشهدت تقلبات كثيرة تراوحت بين التوتر الشديد والتوتر المنخفض الوتيرة.

 
اليوم، وبعد الاتفاق السعودي - الإيراني الذي وقع في بكين في شهر آذار (مارس) الفائت، وتراجع حدة التوترات بين إيران ودول الخليج عامةً، طفا على سطح الاهتمامات موضوع العلاقات بين إيران وأكبر دولة عربية: مصر. وما من شك في أن الزخم الذي ولّده الاتفاق السعودي - الإيراني في المنطقة، دفع الأطراف العربية المعنية بمراجعة علاقتها المتوترة بإيران إلى التفكير جدياً باللحاق بركب موجة خفض التوترات في المنطقة التي أطلقتها السعودية في الأسابيع القليلة الماضية، وقد اندفعت بقوة. وحتى الآن لا يزال زخم الاتفاق السعودي - الإيراني قوياً، بانتظار أن تتظهر ترجمته على الأرض في ميادين عدة تهم البلدين، من العلاقات الثنائية، إلى مسألة الحرب اليمنية التي تعتبر من أهم الملفات بين البلدين، نظراً إلى الدور الإيراني الرئيس في خلق البؤرة اليمنية على حدود السعودية الجنوبية.
 
في ما يتعلق بالعلاقات بمصر، واضح أن سلطان عمان يعمل بقوة على وساطة لتطبيع العلاقات بين البلدين. وقوله يوم الاثنين الماضي، خلال زيارته طهران، إن ثمة استعداداً مصرياً لاستئناف العلاقات يشير إلى أن الملف جزء رئيسي من زيارته، إضافة إلى العلاقات الثنائية التي يسعى السلطان والمرشد الإيراني علي خامنئي إلى تعميقها في الميادين الاقتصادية كافة، تحت عنوان "وثيقة التعاون الاستراتيجي". لكن الكلام الذي أدلى به السلطان وعاد وكرره المرشد الإيراني قائلاً: "نرحب ببيان سلطان عُمان حول استعداد مصر لاستئناف العلاقات مع الجمهورية الإسلامية، وليست لدينا مشكلة في هذا الصدد"، عاد ورد عليه وزير الخارجية المصري سامح شكري مقللاً من موجة التفاؤل في هذا المجال قائلاً: "علاقة القاهرة مستمرة بطهران على ما هي عليه. وعندما تكون هناك مصلحة في تغيير منهج ما، فبالتأكيد سنلجأ دائماً إلى تحقيق المصلحة". بمعنى آخر، إن مصر ليست على عجلة من أمرها في عملية تطبيع العلاقات بإيران لاعتبارات عدة، أهمها أنها تنتظر أن تتقدم عملية التطبيع مع دول الخليج لتتأكد من أن إيران صادقة في ما تعلنه من حرص على الاستجابة لهواجس الدول العربية التي تعرضت خلال العقود الماضية لتهديدات إيران ووكلائها في المنطقة، وفي مقدمتهم "حزب الله"، قبل أن تذهب بعيداً لأنها تعتبر أن أمن دول الخليج من أمن مصر. لكن ما يهم مصر على المستوى الثنائي مع إيران يتعلق بالتدخلات الإيرانية في الشؤون المصرية الداخلية، كدعم تنظيمات من الإسلام السياسي ممثلة بأحد أفرع تنظيم الإخوان المسلمين، وتحريك خلايا طائفية في مصر بعضها له أهداف تبشيرية في الوسط الإسلامي المصري. ولحركتي "الجهاد الإسلامي الفلسطيني" و"حماس" في غزة حصة في التوتر بين البلدين. وتعتبر مصر أن تدخلات إيران في غزة تمس بأمنها القومي إلى أبعد الحدود، لا سيما أن تهريب الأسلحة يمر عبر أنفاق من سيناء إلى غزة بواسطة التنظيمين وأعوان لهما في الداخل المصري ممولين من إيران. هذه نقطة جوهرية في العلاقات بين البلدين، ولذلك لا تتسرع القاهرة في الالتحاق بقطار التطبيع قبل أن تتفاوض على هذه النقاط التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من روحية الاتفاق بين السعودية وإيران، وتنص على عدم التدخل في شؤون الدول الداخلية واحترام سيادتها، وهذا ما لا تفعله إيران لغاية الآن.
 
وما عدا تقدماً طفيفاً في اليمن وخفض الهجمات الإعلامية، لم تظهر بعد ملامح تحول حقيقي في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه الدول العربية المتضررة من سياستها التوسعية في الإقليم. من هنا لا بد من انتظار مفاوضات أكثر عمقاً بين القاهرة وطهران يفترض أن تحصل في المدى الزمني القريب.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد