البحرين… أرض دلمون وزهرةُ الخلود «وبلد لا تعرف الشمسُ فيها المغيب»، كما قال الملك جلجامش الذي جاء إلى أرض البحرين ليبحث عن زهرة الخلود في عصر حضارة دلمون قبل آلاف السنين… من هنا بدأت الحكاية ومن هنا بدأت مسيرة وطن.. وبدأت حكاية «مسيرة استكمال الاستقلال» منذ سبعينيات القرن الماضي، مرحلة لم تكن مزدانة بالورود كما قد يتصور البعض، مرحلة قادها محاربون مؤمنون بالبحرين وطنًا للجميع.. البحرين الحرة المنفتحة على الجميع بدون استثناء.. مرحلة كان لابد فيها من اتخاذ بعض القرارت المصيرية في الوقت المناسب واللحظة المناسبة، مرحلة عندما تجد نفسك على مفترق طرق باحثًا عن الطريق الصحيح الذي يضع وطن وشعب على الطريق الصحيح أمام المد الثوري العربي بكافة أشكاله وألوانه واتهاماته للنظام الحاكم بالرجعية وغيرها من المسميات. إلا أن المحاربين من قادة هذا الوطن، المؤمنين بشعب هذا الوطن كان لهم قول آخر وتفكير آخر، قاد البحرين أمام كل التحديات الى بر الأمان رغم صعوبة الطريق والتضحيات والآلام التى دُفِعتْ من أجل تحقيق المبادئ وتثبيت أسس الدولة الحديثة.
والبحرين التي تعيش أجمل أيامها وعصرها الذهبي لا تنظر الى الوراء ولا تنظر إلى السلبيات في مسيرتها نحو المستقبل، فالبحرين لديها رسالة منذ التأسيس وهي بناء حضارة متميزة على أرض الخلود.. أرض السلام التي وقف شعبها أمام التحديات التي مرت عبر تاريخه واستطاعت قيادته أن تصل به الى بر الأمان، والامثلة على مواقف أهل البحرين متعددة أذكر منها:
أولاً: في يناير 1968 قام عضو البرلمان البريطاني وزير الدولة لشؤون الخارجية جورونوي روبرتس Goronwy Roberts بزيارة للبحرين ودول الخليج العربي وذلك لغرض إبلاغ حكامها بقرار حكومة صاحبة الجلالة بانسحابها العسكري من منطقة الخليج. كان لهذا القرار وقعًا سيئًا على حكام الخليج العربي الذين عرضوا على بريطانيا استعدادهم دفع نفقات الوجود البريطاني على أراضيهم، إلا أنها أعلنت رفضها وأكدت في 30 يناير 1968 أن الانسحاب سيتم في موعده المحدد. وفي فبراير 1968 تم توقيع اتفاقية بين الامارات المتصالحة السبع، بالإضافة إلى البحرين وقطر لإقامة الاتحاد التساعي بين الامارات العربية التسع على أن يبدأ العمل بالاتفاقية فى 30 مارس 1968، إلا أن المفاوضات بين الامارات التسع وصلت الى طريق مسدود أدت الى انسحاب البحرين من الاتحاد التساعي، لتبدأ المفاوضات الماراثونية مع ايران لإنهاء مطالباتها غير المشروعة بالبحرين والتي انتهت بتقرير المبعوث الأممي الايطالي «ونسبير» الذي تم عرضه على مجلس الأمن الدولي في الثلاثين من أبريل 1970 مشفوعًا بمذكرة الأمين العام للأمم المتحدة التي تتحدث عن رغبة الأغلبية الساحقة من سكان البحرين في الاعتراف رسميًا بالبحرين دولة مستقلة وذات سيادة وطنية لها كامل الحرية في تقرير شؤونها وعلاقاتها مع الدول الاخرى وبعدها أصدر مجلس الأمن قراره الجماعي رقم 278 بالتصديق على القرار. وقد رحب المجلس في جلسته المنعقدة في 11 مايو 1970 التي حملت الرقم 1536 بالنتائج والملاحظات. وهنا تجلى موقف تاريخي لشعب البحرين المؤمن بعروبته أمام اللجنة الأممية ليرتفع علم البحرين خفاقًا الى جانب أعلام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة في لحظة إنجاز عظيم لشعب البحرين وقيادته الرشيدة وللدبلوماسية البحرينية وهي في بداية دخولها عالم السياسة.
ثانيًا: في عام 2011 ضاعت أنظمة ودول عربية بسبب موجة عارمة من المظاهرات المليونية في الشوارع وأعمال العنف والمصادمات بين قوات الأمن والمتظاهرين وأدت الى ضحايا ودماء. وكانت دول مجلس التعاون هدفًا رئيسيًا لهذه الموجة التي سعت لهدم التاريخ والحضارة.. وهدم كل ما بنته شعوب مجلس التعاون، وكان التركيز واضحًا على البحرين التي أسست تاريخًا ودولة تتمتع بكل المقومات قبل استكمال استقلالها من بريطانيا، إلا أن الظروف المحيطة بها وموقعها الجغرافي بين قوى أقليمية لها أهدافًا توسعية لضمها تحت نفوذها وتحت سيطرتها بعد سقوط عدد من الأنظمة العربية، كان كبيرًا وخطيرًا جدًا، إلا أن موقف شعب البحرين كان ايضًا واضحًا وجليًا في مثل هذه المواقف التي تتطلب الوقوف أمامها بحزم، إثباتًا للوجود وحفاظًا على مكتسبات الوطن وسيادته وإيمانه بقيادته رغم كل المحاولات والضغوطات والمؤامرات التي كانت تجري في الخفاء تخطيطًا وتمويلاً. لذلك كانت تلك الوقفة التاريخية المشرفة للمواطنين في الفاتح بمعانيها ومنطلقاتها ستظل هي الذكرى الوطنية الملهمة لمواصلة العمل الوطني وحمل هموم الوطن وقضايا المواطنين، والحرص على الوطن المواطن بأهمية اتخاذ المبادرات الوطنية وبالعمل السياسي الوطني والممارسة الانتخابية المستنيرة والمشاركة السياسية البناءة، وتعزيز معاني الوحدة والولاء والانتماء الوطني.
في 21 فبراير 2011، تجسدت أروع نماذج الاصطفاف الشعبي الوطني، وقطعت الطريق أمام كل المحاولات التي كانت تستهدف العبث باستقرار البحرين وأمنها، هذا الاصطفاف الوطني الذي أكد موقف شعب البحرين بكل أطيافه وطوائفه وإثنياته في تلك الملحمة الوطنية التاريخية التي سوف تخلد في تاريخ وسجلات التاريخ عندما وقف الشعب وحفظ الوطن والنظام من مؤامرة القوى الانقلابية ومن التدخلات الأجنبية التي لم تكن تستهدف البحرين فقط بل منطقة الخليج العربي ككل.
اذًا نحن أمام شعب عظيم رائع يجدد العهد والأمثلة التي تؤكد بأنه لن يتنازل عن أرضه ووطنه الصغير وحضارته المتجذرة في التاريخ.. وطن يعمل على الحفاظ على أمنه واستقراره وسيادته وسط إقليم يموج بالتهديدات والمخاطر.. وقد نجح.. وهذا النجاح كان وراءه قيادة حكيمة في كل المراحل التي مر بها عبر قرون طويلة. حفظ الله البحرين.
البحرين.. زهرة الخلود وأرض السلام
مواضيع ذات صلة

