: آخر تحديث

قلق الابتكار

17
15
17
مواضيع ذات صلة

تتبنى الشركات نماذج لتنمية الابتكار لتجدد دمها لمواجهة المتغيرات التقنية المستقبلية، وقد حرصت شركات ابتكارية مثل غوغل وتيسلا على تنمية الابتكار داخلياً رغم أنها شركات نشأت في الأساس من فكرة ابتكارية، ويراود الشركات الابتكارية ربما أكثر من غيرها قلق من المنافسين، أولئك القادمون من المجهول الذين يظهرون فجأة دون سابق إنذار، ليقتحموا عالمهم فيقلبونه رأساً على عقب.

ما يمكن أن نسميه قلق الابتكار هو الشعور الدائم بوجود مشكلة جديدة يملك أحدهم لها حلاً لا يعرفه سواهم، وربما مشكلة لا يعرفها غيرهم أيضاً. في البدايات، عندما كانت الشركات الكبرى ناشئة، كانت قادرة على التحول السريع بالتجريب المستمر بحثاً عن حل للمشكلة التي وجدتها، بمجرد ما تجد حلاً للمشكلة، ويكون الحل ناجحاً، تتحرك الشركة صعوداً في اتجاه جديد مستثمرة كل طاقتها في الحل، هكذا يتحول أفقها المفتوح في البدايات إلى أفق ضيق جداً.

في مرحلة الاستثمار في حل ناجح، تتحرك الأمور بسرعة في تركيز شديد مع نمو كبير وحماس أكبر، يستمر النمو صعوداً بسرعة إلى أن يتباطأ تدريجياً، لو رسمنا منحنى نمو الشركة لظهر لنا ما يشبه حرف السين باللغة الإنجليزية، بداية سطحية يتبعها منحنى تصاعدي ثم نهاية سطحية، يتصاعد قلق الابتكار عندما يتوقف النمو، حيث تبدو الأمور مستقرة لكن خوفاً ما من المجهول يظل حاضراً.

وجدت بعض الشركات الكبرى الحل في خلق بيئة ابتكارية داخلية لمشروعات عالية المخاطرة، على سبيل المثال، تمول شركة غوغل مئة مشروع بميزانيات صغيرة لأفكار جديدة بل خيالية أحياناً، بغية أن ينجح ولو بعضها نجاحاً كبيراً. فليس المأمول من المشروعات أن تنجح كلها، حيث يكفي نجاح عدد قليل منها لتصعد بالشركة أو جزء منها إلى منحنى تصاعدي جديد، بهذه الطريقة تأمل الشركة أن تحقق نمواً مستمراً في هيئة موجات تصاعدية كل عقد أو عقدين.

قلق الابتكار موجود عند الجهات التي تفهم قدرة الابتكار الثورية، لكن كما تبين فإن السبل التي اتخذت لمواجهته قليلة الفاعلية. نعم، نتج من الاستثمار في المشروعات الابتكارية منتجات لها مستقبل، لكن ظلت الأفكار الابتكارية الكبرى بعيدة المنال. إذا أردنا الحكم على نماذج الابتكار فسنجدها مناسبة لبقاء الشركة مواكبة للمتغيرات المحيطة بها مع تنويع مصادر دخلها على المدى المتوسط، أما من حيث معالجة قلق الابتكار الذي يظل هاجساً ملازماً، فلا أظن الشركات نجحت في صناعة بيئة ابتكارية طبيعية داخلياً مثل التي تنمو وحدها في الخارج. ستبقى الشركات الكبرى موجودة تنمو تدريجياً في صورة موجات صغيرة من خلال ابتكاراتها الداخلية أو استحواذاتها لابتكارات خارجية، لكن ستجد الشركات مشكلة في مواجهة الموجات الابتكارية الكبرى التي تأتي عادة من الخارج، معالجة في نفسها قلق الابتكار الذي يحوم فوقها كالطائر الأسطوري الكبير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.