: آخر تحديث

ماذا لو خسرت روسيا الحرب؟!!

28
26
29
مواضيع ذات صلة

بعد أزمة كورونا التي عصفت بالعالم، وفرضت انعزالاً دوليًا لأغلب دول العالم، باتت الحرب الروسية الأوكرانية، التي لم تعد مخفية غايتها الإستراتيجية لدى دول حلف شمال الأطلسي والمتمثلة في استنزاف روسيا، الشغل الشاغل للحكومات والشعوب، وستبقى الحرب، أيًا كانت أطرافها وأسبابها، مصدر قلق إنساني لأصحاب الضمائر الحية والحالمين بعالم مثالي خالٍ من النزاعات والحروب، وهو قلق يتضاعف حتمًا إذا علمنا أن الحرب الدائرة رحاها في التراب الأوكراني مبنية على مواجهة دموية بين دول تقود العالم وتمتلك ترسانة من أسلحة الرعب يكفي بعضها لمحو كل أثر للحياة على سطح كوكب الأرض.

 ما يُعد في وارد الأكيد أن تأثير هذه الحرب سلبًا في الاقتصاد العالمي سيزداد إذا ما عاد فيروس كورونا في ثوب متحور جديد قد يضرب، لا سمح الله، بقوة فتكه التي ألفناها بدءًا من 2020 ولأكثر من عامين، كما يبدو من سرعة انتشاره مرة ثانية في بلد المنشأ، الصين، والتحذيرات التي تستصدرها تباعًا منظمة الصحة العالمية. المفارقة العجيبة في كل هذا أنه إذا كان للفيروس حل خبرناه استثمارًا في البحث العلمي وتكثيفا من التوعية بالتزام الإجراءات الاحترازية، فإن الحرب الطاحنة التي تفجرت في 24 فبراير من العام الماضي والتي لو تم التمعن في سبب اندلاعها وفي ما استنفذته من مقدرات لما سُمح لها أن تبدأ، لا يبدو لها في الأفق المنظور حل ينهيها ويعيد إلى العالم سلامه المفقود المنشود، ذلك أن التحول إلى حالة السلم ظرفيًا كان أم دائما مآل لا يتفق واستراتيجيات الولايات المتحدة الحريصة بما استطاعت من نفوذ وقوة على استبدادها بعرش قيادة العالم والتفرد من ثم بالقرار الدولي.
 وكما يتمخض عن الحرب ومعاركها العاصفة الدائرة في الأراضي الأوكرانية، فإن روسيا، كما هو ثابت حتى الآن، ماضية في موقفها صارمة في شروطها لوقف القتال والجلوس على طاولة المفاوضات، وكذلك تفعل أوكرانيا وبدعم لا محدود من الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ومن خلفهما ذراعهما العسكري، حلف شمال الأطلسي (الناتو). وستستمر هذه الدول في دعمها إلى أن يترسخ الاعتقاد عند شعوبها بأن هذه الحرب ليست حربهم، وإنها بالنسبة إليهم عبث لا طائل من ورائه تستثمره الولايات المتحدة في استنزاف روسيا وإضعافها وفي تأبيد هيمنتها على القارة الأوروبية. ولعل المساعدات الأخيرة التي أعلنت عنها الولايات المتحدة والتي تبلغ قيمتها أكثر من ثلاثة مليار دولار واحتذاء أكثر من بلد أوروبي حذوها لدليل على استمرار هذه الحرب واتجاهها نحو التصعيد.
 روسيا أوضحت قبل اندلاع الحرب أن أوكرانيا تتآمر على أمن الأراضي الروسية وسلامتها مع دول حلف الناتو، وهو الحلف الذي تسعى أوكرانيا إلى الانضمام إليه بعد أن يتحقق طموحها بانضمام سيفصل على المقاس إلى الاتحاد الأوروبي استثمرت فيه الحرب استثمارًا يُعيد طرح التساؤل عن أسباب تحرش أوكرانيا بروسيا. من الطبيعي أن دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لن تقبل بانتصار روسيا. ولهذا فهي تدفع وبدون حدود بالدعومات العسكرية والمالية اللازمة لأوكرانيا، ولكن ليس معروفا حتى الآن ما إذا كانت تستطيع منعها من الانتصار أم لا، وكذلك تفعل روسيا فمقابل كل سلاح دفاعي يقدم إلى أوكرانيا تستخرج روسيا جديدها من السلاح المتطور. غير أن السؤال الذي يؤرق ويبعث على القلق في اعتقادي هو: ماذا لو انتصرت أوكرانيا، وهل سيكون هذا الانتصار ضالة البشرية المنشودة والمساعد الأكبر على ترسيخ السلام والأمن الدوليين؟
 يمكن تقسيم السؤال السالف إلى سؤالين اثنين، ولكن تبقى الإجابة عنهما محكومة بصلتهما ببعض، أي إن الإجابة عن إي منهما هي الإجابة نفسها عن السؤال الآخر. ومع ذلك فلنبدأ بعرض إجابة السؤال الأول: ماذا لو انتصرت أوكرانيا؟
 انتصار أوكرانيا يقتضي وقتًا طويلاً جدًا لا أعتقد أن بمقدور الشعوب الأوروبية التي اعتادت على نمط ومستوى من العيش الرغيد أن تتحمله، وبالتالي فهي لن تستطيع كتم رغبتها في إجبار حكوماتها على التخلي عن أوكرانيا؛ لتطرح بديل كذبة حكوماتها في اتهام روسيا بتهديد الأمن الأوروبي. ولعل ارهاصات هذا الرفض قد اتضحت ملامحها في أكثر من دولة كإيطاليا وفرنسا وبريطانيا وألمانيا.. وغيرها من الدول الأوروبية ذات الاقتصاد المتطور الذي لا يمكن مقارنته باقتصادات دول أوروبا الشرقية المتطرفة في كراهية روسيا، بأشكال احتجاجية متنوعة كالإضرابات وبروز أصوات جديدة تخالف موجة التضامن العمياء مع أوكرانيا ورئيسها المسكون بكراهية روسيا الممثل المهرج فلوديمير زيلنسكي. ثم إن انتصار أوكرانيا قد يُنذر بحرب نووية؛ لأن روسيا لم تكن دولة نووية من باب الترف، وإنما لجأت إلى سلاح الردع النووي للدفاع عن كيانها والمحافظة على دورها رقما فاعلا في السياسة الدولية. لهذا فإن انتصار أوكرانيا قد يعني اندلاع حرب نووية لن تبقي ولن تذر.
 من هذا المنطلق نرى أن انتصار أوكرانيا الذي تسعى إليه دول حلف شمال الأطلسي حالمة لن يكون، وإذا ما كان فلن يكون في مصلحة السلام والأمن العالميين؛ لأنه سيكرس القطبية الأحادية في أبشع مظاهرها وسيجر على البشرية ويلات رد روسي قاس ستدفع أوروبا والعالم ثمنه غاليًا. ولذا يبدو أنه من المستحيل أن تحقق أوكرانيا النصر على روسيا؛ مما يعني أن رحى الحرب ستستمر في الدوران إلى وقت قد يطول إلى أن يعي زعماء أوروبا بأنهم الخاسر الأكبر في حرب لا تعنيهم من قريب ولا من بعيد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد