: آخر تحديث

مبادرة السنيورة حيال اختلال التوازن

24
40
38
مواضيع ذات صلة

عزوف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورؤساء الحكومات السابقين الثلاثة الآخرين سعد الحريري، فؤاد السنيورة وتمام سلام عن الترشّح إلى الإنتخابات سيترك أثراً له تداعيات متدحرجة على التوازنات السياسية اللبنانية لسنوات مقبلة.

إنه يعني ببساطة اختلالاً في هذه التوازنات المختلة أصلاً منذ سنوات، يأتي انكفاؤهم ليكرّسه، بعد أن فاقم الحال قيام «حزب الله» بفرض نهج يلغي أصول اللعبة السياسية التقليدية التي ينظمها توزيع الصلاحيات بين الطوائف داخل السلطة، فباتت القرارات تتخذ خارجها ليأتيَ الآخرون من أجل البصم عليها بلا مناقشات كثيرة. هذا ما كان يحصل في عهد الوصاية السورية حين كان ضباط المخابرات يجبرون الطبقة السياسية على تنفيذ ما يريدون، وإلا دبّ الخلاف بين أركان الحكومة وهدّد مصيرها. وهذا ما بات يتكرر في زمن اليد العليا لـ»حزب الله» على أعلى منصب في الدولة، رئاسة الجمهورية بحكم التسليم الكامل للفريق الرئاسي الحاكم في ظل الرئيس ميشال عون وصهره ووريثه السياسي، وينسحب بالتالي على الحكومة وسائر المؤسسات.

وإذا كان هذا الواقع انطبق على الفترة الممددة لرئاسة الرئيس إميل لحود حتى نهايتها، من دون أن يشمل الحكومة في السنتين الأخيرتين، بعد التغييرات التي أحدثها زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإنه انطبق على السنوات الأربع من عهد الرئيس ميشال سليمان الذي تمرد في السنتين الأخيرتين من عهده على وصاية الحزب والقرار الإيراني، فعوقب ومُنع من أي إنجاز، وانسحب الأمر حتى على حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في حينها فاضطر للإستقالة.

النهج نفسه ينطبق على رئاسة عون على رغم الخلاف الظرفي الذي برز بينه وبين الحزب نتيجة الطموحات الفائضة عن حدها لدى فريقه وصهره، والتي انسحبت على حكومات العهد وأدّت إلى استقالة الحريري في 2019 بعدما هادن وساير وراهن. وهذا النهج هو الذي تلطى بشروط عون في التوزير والحصص، عند تكليف الحريري بتشكيل الحكومة الرابعة في العهد، ما فاقم المشكلة بين الرئاسة الأولى وبين الموقع السني الأول في السلطة. وخلافاً لمظاهر الأمور ولبعض التباينات بين الحزب والرئاسة، فإن التعاون بين الجانبين لم يتغيّر والتنسيق والتبعية ما زالا على حالهما في القضايا الرئيسة من دون توقف.

وإذا كان عزوف الحريري في 24 كانون الثاني الماضي أضاء على جانب من تداعيات انكفاء السنة الأربعة الكبار، ففتح الباب للمقاطعة السنية الواسعة نتيجة غياب الزعيم السني الأقوى، فإن رؤساء الحكومة السابقين، ومعهم مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان سعوا إلى مواجهة احتمالات الفراغ بأي وسيلة، بنفي أي نية للدعوة إلى مقاطعة الانتخابات. وهو توجه قام الحريري والمرجعيات المقربة منه، بتبديده عبر التمييز بين الامتناع عن الترشح الذي هو قرار زعيم «المستقبل»، وبين الامتناع عن الاقتراع الذي لا يتجنبه قادة الطائفة نظراً إلى تجارب انعكاساته السلبية مع المسيحيين حين قاطعوا في العام 1992. وبقيت خسائر ذلك القرار ترخي بذيولها حتى الآن.

إنكفاء السنة الأربعة يعني بلوغهم القناعة بأن لا مكان لتغيير في النهج، ولا إمكانية لتصحيح أسس الحكم بحيث تصعب مواجهة الأزمة التي غرق فيها البلد. ومبادرة الرئيس السنيورة لملء الفراغ الذي أحدثه انكفاء أكثر الزعامات السنية حضوراً وقوة في الطائفة بأي صيغة ممكنة، هي محاولة للحؤول دون مصادرة الحزب وآخرين الدور الذي يمكن أن يلعبه نوابها في المؤسسات.

التحدي أمام هذه المبادرة يكمن في القدرة على إعادة استنفار الجمهور السني كي ينزل إلى حلبة الاقتراع بكثافة نتيجة لعدم جواز إخلاء الساحة، حيث لقي تحرك السنيورة صدى لدى قطاعات لا بأس بها من هذا الجمهور، وبين الاتجاه نحو عدم الاكتراث بالتمثيل النيابي الذي يعكس عصب الطائفة، نتيجة القناعة بعدم القدرة على تغيير نهج الهيمنة على السلطة، بحيث لا يكون ممثلو الحريرية جزءاً من الانهيار الكبير الآتي. والاتجاه الثاني كان واحداً من أسباب انكفاء الحريري.

قدرة مبادرة السنيورة على استنفار الحريريين والناخبين ستظهر عبر تشكيل اللائحة في بيروت لينسحب الأمر على دوائر أخرى طبقاً لطريقة إدارة المعركة، في وقت سيتولى ميقاتي الأمر في طرابلس.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد