: آخر تحديث

القرار التقني الناجح

39
31
33
مواضيع ذات صلة

في أماكن العمل، ترتبط معظم القرارات بالتقنية بشكل أو بآخر، ولكن إلى جانب قرارات الأعمال الاعتيادية هناك قرارات تقنية خالصة ومتخصصة. وبغض النظر عن طبيعتها التي قد تكون متخصصة وتطبيقية أو عامة وتنظيمية إلا أن هذه القرارات مؤثرة ومهمة جدا لنجاح المنظمة. ربما نقسم القرارات التقنية إلى نوعين، الأول قرار بإعادة ترتيب الموارد التقنية تفاعلا مع الأطراف الداخلية، والثاني إعادة ترتيب الموارد التقنية تفاعلا مع الأطراف الخارجية، وكلاهما بطبيعة الحال يهدف إلى تحقيق مستهدف أو الوصول إلى قيمة تعرفها المنشأة أو تبحث عنها. تغطي القرارات التقنية عدة جوانب تبدأ من إجابة السؤال، هل نحتاج إلى التقنية؟ ثم: ما التقنية التي نحتاج إليها؟ (أي اختيار التقنية وربما تصميمها) وكيف نطبقها؟ ومع من؟ باختصار قد نقول: اختيار التقنية وإدارة التقنية.
هناك معتقدات خاطئة عدة حول استخدام مسؤولياتنا تجاه القرارات التقنية داخل المنظمة. من هذه المعتقدات أن حل معظم تحديات المنظمة الخاصة بالعملاء والخاصة بالعمل المؤسسي إجمالا يكمن في الاستخدام المباشر للتقنية، وهذا معتقد غير صحيح، حيث إن القدرات القيادية - في السوق وداخل المنظمة - إضافة إلى فاعلية صنع القرار، شرط أساسي لاستخدام التقنية بشكل مناسب. ومما يشتق عن ذلك أن غياب الاستثمار التقني الضخم سبب كاف لحدوث الأخطاء وضعف الكفاءة، بينما التنظيم متطلب قبلي للتقنية، والتقنية تساعد العمل الإداري المتقن ولا تصنعه. ومن المعتقدات كذلك، أن أمور التقنية تخص إدارة تقنية المعلومات، وهي "أبخص" فيما يتعلق باختصاصها. وهذا غير صحيح، إذ إن مشاركة الأطراف الأخرى في اتخاذ القرارات التقنية وتحديدا التوافق الاستراتيجي وتوضيح الاحتياجات والمتطلبات ضروري جدا، وهذا يتطلب استعدادا وثقافة تقنية جيدة من المستفيدين من خدمات هذه الإدارة. الثالث أن تقنية المعلومات كإدارة تختص بالأجهزة المادية والأنظمة الكبرى داخل المنظمة، بينما التصور الحديث لأدوار التقنية داخل المنظمة وأدوار الإدارات التقنية إجمالا سواء المختصة بإدارتها أو حوكمتها يشمل كثيرا من الجوانب الجوهرية المؤثرة في العمل والأداء ويمتد إلى كل جزئية صغيرة في المنظمة عن طريق إدارة المعلومات وقنوات التواصل والتقنية. ومن المعتقدات التي لا تزال منتشرة إلى حد ما، أن المهني المتخصص في مجال غير تقني (موارد بشرية، تطوير أعمال، هندسة، تسويق، مالية، إلخ) غير ملزم بالاهتمام بالجوانب التقنية، والصحيح أنه ملزم بمعرفة أحدث الحلول التي تستخدم في مجال عمله وخصوصا الأدوات التي تجعل أعماله تتفاعل بشكل جيد مع ما يحدث حوله، ومعرفته التقنية وخصوصا في التطبيقات المتخصصة في مجاله وكيفية تفاعلها مع التطبيقات المؤسسية شرط لنجاح عمله ودوره.
وبما أن الأعمال لا يمكن عزلها عن الممارسات التقنية المتقدمة والمتغيرة، فكذلك التقنية لا يمكن عزلها عن متطلبات التقرير بشأن الأعمال. أي أن القرارات التقنية إجمالا، سواء المرتبطة بالاستراتيجية التقنية أو الاختيارات التقنية أو أساليب إدارة التقنية وتشغيلها يجب أن تقوم على توافق جيد مع كل الأمور الأخرى التي تحدث داخل المنظمة وخارجها كذلك. لهذا، متطلبات القرار التقني الناجح يجب أن تقوم على حوكمة ملائمة تعكس حكمة المنظمة وحرصها على تطبيق استراتيجيتها التقنية، التي بدورها تمثل عنصرا رئيسا في الاستراتيجية العامة للمنظمة. وبعد ذلك يجب أن يعكس القرار التقني ويصور آلية صنع القيمة وتحقيقها، وهذا يتطلب أن تكون عملية الربط بين المدخلات والمخرجات واضحة وتشمل آلية التفعيل والممارسة وليس التدشين فقط. ومن الطبيعي أن ينظر القرار التقني أثناء مراحله المختلفة في الجوانب الاقتصادية وتحديدا كم يجب أن تصرف المنظمة على هذا البند. وللجوانب الاقتصادية والمالية أبعاد مختلفة تعتمد على طبيعة الاستثمار التقني وحجمه.
من الجوانب اللافتة والمهمة التي يجب ألا يتم اتخاذ القرار التقني من دونها، وللأسف دائما ما يحدث، الجوانب السلوكية، سواء كانت التقنية المنشودة تتفاعل مع العملاء أو الموظفين، وهذا يعني فهم السلوك الحالي وفهم مؤثراته والتفاعل مع مراحل التغيير بشكل مدروس وإيجابي والاهتمام بالجوانب المعنوية والأخلاقية والتحفيزية التي تقلل من مخاطر التطبيق والتفعيل. ولهذه الأسباب هناك دائما استثمارات تقنية ضخمة موجودة على الرف ونسب استغلالها تقترب من الصفر.
التوافق بين الحل التقني والأولويات الاستراتيجية متطلب طبيعي، ولكن صنعه ليس بسهولة الحديث عنه. المديرون المؤثرون، على سبيل المثال، ينقلون الاهتمام التقني إلى دوائرهم على حساب دوائر أخرى داخل المنشأة تستحق اهتماما استراتيجيا أكبر، وهذا يصنع نجاحا تقنيا في المكان الخطأ أو حول الإجراء غير المناسب، لأنه على حساب الإجراء الأهم. ومن أهم الجوانب التي ترفع من معدلات نجاح القرار التقني القدرة على توحيد أسلوب اتخاذه داخل المنظمة. وهذا يعيدنا إلى موضوع حوكمة القرار التقني، إذ تسهم القرارات التقنية إذا كانت مبعثرة ومختلفة في تفكك المنشأة تنظيميا وتسمح بقيام الممالك والجزر المتباعدة داخل الإدارات وتساعد على صنع تركة يصعب الخلاص منها لاحقا. من الجيد الالتفات إلى مقومات صناعة القرار التقني الناجح، لأن ذلك من دون أدنى شك من أهم ما يؤثر في شكل الكيان وقدراته، وتجاهله يضيع كثيرا من الجهود والطاقات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد