تزامنا مع الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، انتشر مقطع فيديو لأستاذ العلاقات الدولية في جامعة شيكاغو جون مير شايمر، يعود لعام 2016 يتحدث فيه عن أوكرانيا، ودور الغرب، وتحديدا أمريكا، في توريطها في الخلاف مع روسيا، والرغبة الجامحة لدى الأوكرانيين في الانضمام إلى حلف الناتو، وتشجيعها على عدم التفاهم مع روسيا، وتصوير أن الوقت لمصلحة الغرب للضغط على روسيا، وهذا لم يحدث، ما قاد الأمور إلى التعقيد ما بين الدولتين، حيث روسيا تعترض على الانضمام إلى حلف الناتو، لما يشكله من تهديد استراتيجي لها، حين تكون الدولة الجارة عضوا في الحلف.
ما ورد على لسان مير شايمر، خلاف ما خطط له الغرب، ووعد به من مساندة لأوكرانيا، حين تم إقناعها بالتخلي عن السلاح النووي، وتجريدها من قوة الردع التي تحميها من الابتزاز والضغوط أيا كان مصدرها، وأعتقد أن تحليل مير شايمر، يمثل تفكيرا استراتيجيا، لإحاطته بالعناصر كافة والمتغيرات القائمة كافة قبل ستة أعوام، إضافة إلى وعيه بالمستقبليات التي تحققت هذه الأيام.
تشجيع الغرب لأوكرانيا على عدم التفاهم مع روسيا، واختيار المشاكسة، وعدم قبول التحييد، أوصلت الأمور إلى ما وصلت إليه الآن، وفي هذا هلاك ودمار أوكرانيا، حسب تحذير مير شايمر، في تحليله السياسي، وما المأزق الذي وقعت فيه أوكرانيا إلا نتيجة لخداع غربي لأوكرانيا لتحقيق أهداف استراتيجية بهدف محاصرة روسيا وإضعافها بالحروب، كما حدث للاتحاد السوفياتي عندما غزا أفغانستان، ما أضعفه، وأسقطه، وبذا يتم حرمانها من لعب دور الاتحاد السوفياتي حين كان العالم بقطبين، ما يحدث شيئا من التوازن بدل هيمنة وتسلط القطب الواحد.
ما يهمنا في هذا المقال من الحرب، والتحليل السابق لها بستة أعوام، شيئان ضروريان لأي بلد، وأي أمة، الأول التفكير الاستراتيجي، والآخر التخطيط الاستراتيجي، فالتفكير الاستراتيجي عملية عقلية يمارسها فرد، أو مجموعة عهد إليهم، أو من مصلحتهم التفكير بشمولية في مستقبل أمر من الأمور مع الأخذ في الحسبان الأمور المحيطة داخليا وخارجيا، بالتعقيدات والمتغيرات القائمة كافة، أو ما يمكن أن يحدث، وهذه الخاصية "المرونة" مهمة في التفكير الاستراتيجي لتوجيه الأمور بما يتناسب مع الظروف. ومن خصائص التفكير الاستراتيجي، العمق، ومتابعة المستجدات لمعرفة تأثيرها في المنشأة أيا كانت، شركة، أو مصنعا، أو حتى على مستوى الدولة.
نتيجة التفكير الاستراتيجي الجيد القدرة على توقع ما سيحدث، وأطرافه، أو مصادر التأثير فيه، والآثار المترتبة عليه. أما المبادئ التي يقوم عليها التفكير الاستراتيجي، فإنها غاية ووسيلة في الوقت ذاته، فهي غاية حين يكون أحد أهداف التربية والتعليم وتدريب الطلاب على هذا النوع من التفكير، لتحقيق شمولية التفكير وعمقه، وليس التفكير السطحي المحدود بحدود ضيقة، أو كما يقول المثل، الاقتصار على "النظر تحت الأرجل" فقط، كما أنه وسيلة لتحقيق أهداف محددة للمنشأة، أو الوطن بكامله، كالقضاء على الجهل، أو الفقر، أو مرض من الأمراض، كما أن من مبادئه ضرورة تنوع خلفيات المشاركين فيه، بهدف الإحاطة بالجوانب الاقتصادية والسياسية والأمنية، والتغيرات الاجتماعية.
أما التخطيط الاستراتيجي، فإنه يعتمد على نتائج التفكير الاستراتيجي، وما ينتهي إليه من استنتاجات ورؤية بشأن ما يمكن، أو يجب أن يكون عليه المستقبل في أمر من الأمور، وهذا يتطلب تحليل الواقع بإيجابياته وسلبياته، سواء الوضع الداخلي للمنشأة، أو الوضع الخارجي لتقييم الإمكانات المتوافرة، بشرية كانت أم مادية، وهل تتناسب مع الهدف أو الأهداف المرسومة؟ كما يتطلب التخطيط الاستراتيجي تحديد المراحل، والوقت المستغرق لتنفيذ كل مرحلة، ومتطلباتها، وآلية تجاوز المعوقات، إن وجدت، فعلى سبيل المثال، لو أن منظمة ترغب في تحقيق ربح مليون ريال يلزم معرفة هل في عام، أم خمسة أعوام، ومعرفة سعر السلعة، أو الخدمة، وكيفية الوصول إلى الزبائن، وطريقة ترغيبهم فيها، وما الطرق البديلة لترغيب الزبائن، وطرق منافسة المنتجين الآخرين، وتحسين المنتج. باختصار، يمكن القول إن التخطيط الاستراتيجي هو وضع الخطة بعيدة المدى لتحقيق الهدف المنشود.

