يمثل الوعي موضوعا مهما في حياة الأفراد، والمجتمعات، لما له من قيمة تنعكس على حياة الأفراد والمجتمعات، وحظي باهتمام الفلاسفة، وعلماء النفس من خلال ربطه بالحضور الذهني، وإعمال العقل، بتوظيف قدرات عقلية عالية، حسب الموقف، والظرف الذي يمر به الفرد من حيث خطورته، أو عدم خطورته، فالوعي التلقائي يعد من أبسط أنواع الوعي. فعلى سبيل المثال، الأم قد تتكلم في الهاتف مع قيامها بنشاط آخر، أو تتنبه لحركات طفلها، وهو يلعب أمامها، فهذا الوعي لا يتطلب سوى توظيف حاستي البصر، والسمع، وشيء من الانتباه، إلا أن هذا الوعي لا يكون مجديا عند التعامل مع مواضيع أكثر تعقيدا، لما تتطلبه من توظيف لقدرات عليا يدخل فيها الذكاء، والإدراك والاسترجاع، كما في حالة إلقاء محاضرة، أو حل مسألة رياضية تستوجب استخدام المعادلة بشكل صحيح، وإجراء العمليات الرياضية المناسبة، بالشكل الصحيح، وهذا النوع من الوعي يعرف بالوعي التأملي الذي يتطلب التركيز على موضوع محدد، ولا يمكن الانشغال بغيره من المواضيع.
الوعي الاخلاقي يعد من أهم أنواع الوعي على المستوى الاجتماعي لدوره في ضبط السلوك، وتوجيهه بما يخدم المصلحة العامة التي قد تغيب لوهلة، أو تحضر لحظة أخرى، وهذا الوعي غالبا يكون مرتبطا بأحكام قيمية يصدرها الفرد، إما بوعي ذاتي بحت، أو مستمد من قيم المجتمع وثقافته، بما يمكن اعتباره من المحددات الواجب الالتزام بها. ولعل من المناسب الإشارة إلى أن مفهوم الوعي الذي أتبناه ليس مجرد الإلمام بالمعلومة، أيا كان مصدرها بقدر ما هو حدوث الفعل الذي يتناسب مع ما تقتضيه المعلومة. وفي الأمثلة ما يبين المفهوم الذي أرى مناسبة تبنيه، فعلى سبيل المثال، يحذر الأطباء والجهات الصحية من التدخين وارتباطه بكثير من الأمراض كسرطان الرئة، والكبد، وغيرها من الأمراض حتى إن الدول وضعت التحذير على علب التدخين، ويرد التحذير منه في وسائل الإعلام، والمحاضرات، والخطب، ومع ذلك نجد الإصرار من قبل المدخنين على هذه الآفة القاتلة.
نظافة البيئة، وأهمية المحافظة عليها قيمة في حياة الناس، ومع ما يسمع الناس من توجيهات في هذا الموضوع تجد من يبصق في الشارع، ويرمي الكمامة بعد استخدامها في الطرقات غير مبال بما قد يترتب على هذا الفعل من أضرار على حياة الناس.
السرعة عند قيادة السيارة موضوع ساخن يتكرر التحذير منه وأوجدت الدولة الأنظمة للحد من السرعة، وتتحدث الإحصائيات عن أرقام مخيفة على شكل وفيات، أو إعاقات مستديمة، بل إن هذه المصائب يعايشها الناس في بعض أهلهم، أو جيرانهم، أو معارفهم، ومع ذلك نرى استمرار البعض على السرعة، مع ما قد يترتب عليها من مصائب للفرد، وعائلته، ومن يستمع لبعض الأطباء الذين يباشرون الحوادث المرورية يقشعر بدنه من هول، وفظاعة الحوادث، وما تحدثه في جسد الإنسان من تمزقات وتشوهات.
يحضرني في هذا السياق تعليق متناقض صدر من شاب يقف على جانب أحد الأودية، وهو يجري بقوة، وقد نزل أحد الشباب بسيارته متحديا تحذيرات الدفاع المدني من الاقتراب من الأودية، ومجاري السيول معتقدا أن هذا الفعل يحقق له الإشادة ببطولته، وشجاعته، إذ كان تعليق الشاب المتفرج عند مشاهدته صاحب السيارة عند نزوله الوادي "ذيب"، لكن بعد أن جرف السيل السيارة بصاحبها، وفقد السيطرة عليها تحول المدح إلى ذم، حيث وصفه بـ "الغبي"، هذا المثال يكشف لنا مفهوم هشاشة الوعي اللحظي الذي لا يستند إلى تفكير عميق يتم بموجبه مقارنة الإيجابيات بالسلبيات. لذا أرى أن الوعي الحقيقي، ليس مجرد الإلمام بالمعلومة، بل يجب أن يرافق المعلومة سلوك مناسب يحفظ مصالح الفرد والمجتمع حتى لا يقع الفرد ضحية وعي سطحي، كما في حالة التدخين، حين يعتقد تحقيقه المتعة، وكذا نحمي المجتمع من سوء وعي القشور الذي قد يوجد لدى بعض أفراده دون التأمل في المآلات.
الوعي الذي تنشده المجتمعات
مواضيع ذات صلة