إيلاف من الرباط: بقدر ما أثار خبر عفو الملك محمد السادس، بمناسبة عيد العرش لهذه السنة، على مجموعة من الأشخاص منهم المعتقلين ومنهم الموجودين في حالة سراح (افراج)، المحكوم عليهم من طرف مختلف محاكم المملكة، وعددهم 2476 شخصا، بينهم صحافيون وناشطون، ردود فعل مرحبة، من مختلف أطياف المجتمع المغربي، شدد حقوقيون، في تصريحات لـ"إيلاف"، على أن العفو لا يعني البراءة؛ وأنه، في حالة بعض من شملهم العفو، لا يمس حقوق الضحايا الذين يتعين جبر الضرر الذي لحقهم. كما شددوا، في هذا الصدد، على ضرورة تقديم الصحفيين الذين شملهم العفو اعتذارا علنيا للضحايا وللمجتمع المغربي.
اعتذار علني
قالت عائشة كلاع، المحامية بهيئة الدار البيضاء ورئيسة الجمعية المغربية لحقوق الضحايا، "إننا كجمعية مغربية لحقوق الضحايا وكجمعية حقوقية، لا يمكن إلا أن يكون انطباعنا إيجابيا جدا من أجل الحرية، بعد قرار العفو الدي تفضل به جلالة الملك لصالح بعض المدانين والمدانات في مجموعة من القضايا والأحكام الذين تمت إدانتهم بعقوبات مختلفة، وفي نفس الإطار أقول إنه بالنسبة للصحفيين الثلاثة، فجمعيتنا دافعت عن الضحايا الذين ارتكبت في حقهن وفي حقه، جرائم واعتداءات جنسية من طرف هؤلاء الصحفيين، الذين تم الإفراج عنهم بمناسبة عيد العرش، بعفو ملكي".
وقالت كلاع إن "الضحايا تم الحكم لفائدتهم بتعويضات مدنية لجبر ضررهن وضرر شاب مغربي كان هو أيضا ضحية من ضحايا الاعتداء الجنسي".
من جهة ثانية، تضيف كلاع، أن "العفو هو فرصة تعطى لمن ارتكبوا جرائم في مراحل معينة، بعدما أبانوا على تحول في سلوكاتهم واحترامهم للقوانين وللآخرين، طبعا بناء على طلباتهم التي تمت دراستها، ليشملوا بعطف وعفو جلالة الملك".
وأضافت كلاع أن "العفو مجال محفوظ لرئيس الدولة، في إطار وبمقتضى الفصل 58 من الدستور، فيما ينظم العفو ظهير شريف (مرسوم ملكي) بمجموعة من الإجراءات، ضمنها أساسا الفصل السابع، الذي يقول بأن العفو لا يمس حقوق الأغيار".
وفي هذا الباب، تضيف كلاع: "أؤكد أن العفو لا يعني البراءة من الأفعال الإجرامية المدان من أجلها المفرج عنهم، لأن العفو يمس الفترة المتبقية من العقوبة الحبسية، كما أنه لا يمس حقوق الأغيار، لأن هناك أطرافا أخرى وضحايا تعرضوا لاعتداءات جنسية نتجت عنها أضرار نفسية واجتماعية واقتصادية، وغيرها، خلفت أضرارا كبيرة، وبالتالي من المفروض أن يلتزم المفرج عنهم بالأحكام القضائية من أجل تنفيذها، لأن في ذلك جبر للضرر الذي لحق هؤلاء الضحايا. وجبر الضرر يكون كذلك بالاعتذار، وخاصة الاعتذار العلني على اعتبار أن الأفعال الجرمية الجنسية المرتكبة هي جرائم حق عام، وبالتالي فالاعتذار في مثل هذه الجرائم للضحايا ولأسرهم وللمجتمع ككل فيه جبر للضرر لهم وللمجتمع". ولذلك، تضيف كلاع، "أعتبر أن هذه فرصة... من أجل حياة جديدة، والاندماج داخل المجتمع مع إصلاح السلوك واحترام القوانين واحترام الناس، خاصة النساء اللواتي كن عرضة للاعتداءات الجنسية".
وأضاقت كلاع: "المفروض أن العقوبة وصلت للهدف الذي توخي من أجلها المشرع سن العقوبة، وهي الإصلاح من أجل الاندماج داخل المجتمع، وبالتالي أتمنى أن يكون المفرج عنهم في مستوى العفو الملكي، وأن يحترموا القواعد والنظام المجتمعي، بما فيه القوانين والأحكام القضائية، والمؤسسات بشكل عام".
إشكال
قال محمد الطويسي، المحامي بهيئة الدار البيضاء، والذي كان ضمن هيئة دفاع ضحية الصحفي سليمان الريسوني، إنه يرى أن العفو "شيء إيجابي"، و"مبادرة ملكية مشكورة". غير أنه استدرك قائلا: "لدي إشكال صغير يتعلق بوجود صحفيين ضمن اللائحة المعلن عنها". وأضاف، موضحا: "وضع الصحفيين مختلف جدا، مقارنة بالباقين". وأضاف، أن الناشطين المعنيين بالعفو "لديهم ملفات تتعلق إما بالرأي أو بتدوينة، مثلا؛ أما الصحفيون فكانوا معتقلين من أجل قضايا الحق العام". وتساءل: "هل وجود الصحفيين في لائحة من شملهم العفو الملكي جاء صدفة أم عن قصد؟". وأضاف: "لو منحوا العفو في مناسبة أخرى، وبشكل منفصل عن الباقين، آنذاك سيظهر الفرق".
وقال الطويسي إن موكله اتصل به، و"كان حزينا جدا"، وأنه قال له إن "الإشكال لديه ليس في أن يخرج سليمان الريسوني من عدمه، ولكن في الربط الذي حصل، والذي قدمه كمناضل، مع أنه دخل السجن بقضية لا تتعلق بموقف سياسي أو برأي معارض".
وعاد الطويسي ليشدد على أن "العفو شيء إيجابي"، و"يعطي انطباعا جيدا"، و"فيه رسائل"، كما أنه ليس شيئا جديدا. قبل أن يضيف: "أولا، العفو ليس براءة، وثانيا، هو لا يتسبب في أضرار للضحية. ويبقى من حق الضحية مواصلة تنفيذ الحكم، كما أن الغرامة تستمر. المسألة تتعلق فقط بالعقوبة الحبسية. ثم إن المعنيين بالعفو نفذوا نصف المدة المحكوم بها، كما تم احترام شروط العفو".
وشدد الطويسي على أن "العفو لا يمس حقوق الضحايا"، وأن همهم كمدافعين عن الضحايا كان "المناداة بتطبيق القانون"، والتأكيد على أنه "لا أحد فوق القانون".
جبر الضرر
قالت فاطمة الزهراء الشاوي، المحامية بهيئة الدار البيضاء ورئيسة المنظمة المغربية لمناهضة العنف ضد النساء ونائبة رئيسة الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الضحايا، إنه "لا يمكننا إلا أن نثمن العفو الملكي، ولا يمكننا مناقشته، لأنه حق مكفول لصاحب الجلالة بمقتضى الدستور، ويهم من يرى جلالته أنه يستوفي الشروط المطلوبة لذلك".
وأضافت الشاوي: "لا يمكننا ونحن نناضل من أجل الحريات أن نناقش هذا الشطر من الدعوى العمومية، ونحن نثمنه لأن غرضنا كان عدم الإفلات من العقاب؛ وأنا نُبت في ملف (توفيق) بوعشرين عن ضحيتين. لا يمكن إلا نثمن هذه المبادرة الملكية، وهذا الحق الدستوري المخول لصاحب الجلالة لا يمكننا مناقشته".
واستدركت الشاوي، بالقول: "إلا أنني أؤكد أن العفو الملكي لا يعتبر براءة بالنسبة للمتهم. هو عفو ملكي يُثمن ويُحترم إلا أنه لا يسمو إلى البراءة. وهناك مطالِبات بالحق المدني، والظهير (مرسوم ملكي) الذي ينظم العفو الملكي يقول بعدم إمكانية مس الحق الملكي بحقوف الآخر. ونحن لدينا حقوق ضحايا، وسوف نناضل من أجلها، ولن نسمح في حقوق الضحايا الذين ناضلنا من أجلهم، ودافعنا من أجلهم، وآمنا بقضيتهم".
وأضافت الشاوي: "سوف نواصل كمحامين وكجمعيات نضالنا من أجل جبر ضرر الضحايا، ومن أجل تحقيق مطالبهن المدنية، لأن العفو الملكي، بكل ما يحمل من احترام وتقدير، لا يمكنه أن يمس بحقوق الضحايا، والمطالب المدنية ما زالت قائمة لأن العفو لا يعتبر براءة".
وشددت الشاوي على تمكين الضحايا من مطالبهن المدنية، "لأن هذه المطالب هي بمثابة جبر للضرر؛ وجبر الضرر هو الذي يعيد إدماج الضحايا في المجتمع، لما له من وقع نفسي جد إيجابي عليهن، لاسيما وأنهن لا زلن يعانين".
ليس براءة
من جهتها تحدثت نزهة خبيزة، المحامية بهيئة الرباط وعضو المكتب التنفيذي للجمعية المغربية لحقوق الضحايا، العفو، عن العفو الملكي كحق سيادي، مخول لملك البلاد بمقتضى الدستور، ومقتضيات المادة 58. كما استعرضت مكونات اللجنة التي تبث في العفو الملكي، وقالت إن التساؤل الذي يطرح عادة هو "هل للعفو الملكي أثر على حقوق الغير؟"، لتجيب بأن "المادة السابعة من الظهير الشريف (مرسوم ملكي) تؤكد على أن العفو لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن يلحق ضررا بحقوق الغير، بمعنى أن كل من هو محكوم لهم في الدعوى المدنية بأي مبالغ في إطار التعويضات المستحقة لهم، بإمكانهم مباشرة مسطرة التنفيذ".
وشددت خبيزة، تبعا لذلك، على أن "العفو يترتب عليه فقط الإعفاء من قضاء العقوبة المتبقية، أما فيما يخص ما هو محكوم به مدنيا وفي إطار الغرامات والصوائر فلا يمكن أن يُتمتع به في إطار العفو، سواء كان عفوا كليا أو جزئيا، أي أنه لا يمتد إلى العقوبات الأخرى أو المضافة".
وقالت خبيزة إنها حين كانت تتابع خروج المشمولين بالعفو الملكي الأخير، من السجن، لاحظت فرحتهم لمعانقة الحرية من جديد، كما لاحظت فرحة عائلاتهم وأصدقائهم. وأضافت: "استحضرت، وقتها، المأساة ومدى المعاناة التي عاشها الضحايا، ومعاناتهم المستمرة من عدة آثار نفسية وجسدية".
ودعت خبيزة المشمولين بالعفو إلى تنفيذ الأحكام بصفة تلقائية، وتقديم الاعتذار، مشيرة إلى هناك مجموعة منهم اعتذرت للضحايا. وقالت، في هذا الصدد: "نعتبر أن هذه نقطة إيجابية، وفيها اعتراف بالمأساة التي يعيشها الضحايا". وأضافت: "أتمنى أن يكون العفو فرصة ثانية للتفكير مليا في أن المواطن المغربي يجب أن يكون مواطنا مغربيا حرا، وأن المس بالمقدسات والمؤسسات لا يعتبر، بأي حال من الأحوال، صورة من صور التعبير".
وخلصت إلى القول "أتمناها انطلاقة جديدة للدفاع عن الوطن والثوابت والمؤسسات، واحترامها"، وأن يكون "النقد البناء من داخل البلد في إطار الحريات.. في بلد هو للمغاربة جميعا".