لن تكون هناك خطب حماسية أمام جماهير مبتهجة، ولن يظهر الزعيمان معاً أمام الناس، ولن يكون هناك حضور مشترك لمباراة كرة قدم بين ألمانيا وتركيا في برلين كما أشيع سابقاً. هذه هي أجواء زيارة أردوغان لألمانيا.
زيارة الدولة التي بدأها الزعيم التركي، رجب طيب أردوغان، إلى ألمانيا يوم الجمعة بعيدة تماماً عن الصخب الإعلامي وأضواء الكاميرات.
سيلتقي أردوغان بالرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، ويتناول العشاء مع المستشار أولاف شولتز.
اجتماعان خلف أبواب مغلقة وعشاء خاص بعيداً عن الأضواء.
عدا عن الإجراءات الأمنية المشددة وسط العاصمة برلين، والتي تُتخذ عادة فقط عند زيارة الرؤساء الأمريكيين لألمانيا، تأمل الحكومة الألمانية أن تمر زيارة أردوغان دون تسليط الضوء عليها، حيث تأتي الزيارة في أسوأ توقيت بالنسبة ألمانيا.
العلاقات بين الرئيس أردوغان والحكومات الألمانية المتعاقبة ليست على ما يرام منذ سنوات؛ حيث تشهد علاقات البلدين أزمات منتظمة.
عندما ينطق المتحدثون باسم الحكومة الألمانية عبارة "الشريك الصعب"، فهم يتحدثون عن الرئيس أردوغان.
لكن الفظائع التي ارتكبتها حماس في إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، والانتقام الإسرائيلي اللاحق من غزة، جعلت ألمانيا وتركيا على طرفي نقيض من الصراع.
خلال الشهر الماضي، زادت حدة انتقادات أردوغان لإسرائيل، ورفض إدانة عمليات القتل واحتجاز الرهائن التي قامت بها حماس، واصفا الجماعة بـ"حركة تحرر".
وتُصنّف حماس على أنها منظمة إرهابية من قبل الحلفاء الغربيين، بما في ذلك ألمانيا.
وبدا أيضاً أنه يشكك في وجود الدولة اليهودية بقوله إن "فاشية إسرائيل" تقوض شرعيتها.
واتهم زعماء يهود في ألمانيا، أردوغان، بإذكاء معاداة السامية بمثل هذه االتصريحات، وكانت هناك دعوات للحكومة الألمانية لإلغاء الزيارة.
بالنسبة لألمانيا، التي تشعر تاريخيا بالذنب بسبب الهولوكوست، فإن دعم دولة إسرائيل أمر غير قابل للنقاش وحجر زاوية أساسي في سياسة برلين الخارجية.
وعندما سُئل المستشار شولتز في مؤتمر صحفي في وقت سابق من هذا الأسبوع عن تصريحات الرئيس أردوغان، وصفها بـ"عبثيّة".
ووصف كل من أولاف شولتز والمستشارة السابقة أنغيلا ميركل مرارا أمن إسرائيل بـ "شتاتسغيزن Staatsräson" التي تعني "مغزى وجود الدولة"، وهو مصطلح غامض يستخدمه القادة الألمان للتعبير عن الدعم الألماني الثابت لإسرائيل.
ولكن مع اشتداد الهجمات الإسرائيلية على غزة وارتفاع عدد القتلى، أصبح هذا المبدأ عرضة لضغوط.
وبعد الصدمة الأولية التي خلفتها هجمات حماس، بدأت وسائل الإعلام الرئيسية الألمانية على نحو متزايد في تصوير المعاناة الإنسانية في غزة، الأمر الذي أدى إلى تزايد القلق بشأن تصرفات إسرائيل.
وفي الشوارع الألمانية يتزايد الغضب من التصرفات الإسرائيلية، وتنظم مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين في معظم عطلات نهاية الأسبوع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وتوجد في ألمانيا جاليات عربية كبيرة لها صلات مع سكان غزة أو تتعاطف معهم، كما يعد دعم الفلسطينيين مسألة مبدئية بالنسبة لبعض الجماعات اليسارية الألمانية.
وهناك مخاوف من أن تؤدي أي تصريحات للرئيس أردوغان حول الصراع خلال زيارته إلى تأجيج التوترات.
ألمانيا وتركيا بحاجة إلى بعضهما البعض؛ فألمانيا شريك تجاري مهم لتركيا، كما أنها موطن لأكبر جالية تركية في العالم، وهي ساحة معركة انتخابية للرئيس أردوغان الذي يحظى بشعبية لدى بعض الأتراك الألمان.
يعيش في ألمانيا نحو ثلاثة ملايين شخص من أصول تركية، ولا يزال نصفهم قادرين على التصويت في الانتخابات التركية.
وفي شهر مايو/أيار الماضي، صوتت أغلبية الناخبين الأتراك في ألمانيا الذين شاركوا في الانتخابات، لأردوغان.
و تحتاج برلين إلى المساعدة التركية للسيطرة على الهجرة من الشرق الأوسط.
ويأمل المستشار شولتز في إحياء اتفاق اللاجئين مع تركيا لإعادة طالبي اللجوء إليها، وفي الحصول على مزيد من الدعم التركي للغرب في حرب روسيا على أوكرانيا.
وستتم مناقشة هذه القضايا خلف الأبواب المغلقة يوم الجمعة. لكن الحكومة الألمانية هي أكثر قلقاً مما قد يقوله أردوغان علناً.
وفي شهر مايو/أيار، في أعقاب إعادة انتخاب أردوغان رئيساً لتركيا، دعا شولتز أردوغان لزيارة برلين - ربما يتمنى الآن لو أنه لم يفعل ذلك.