: آخر تحديث

بعد عام على غزو أوكرانيا " الناتو" على مسافة 400 كلم من سانت بطرسبرغ

60
66
66
مواضيع ذات صلة

يوم أمس كانت أوروبا على موعد مع انضمام فنلندا رسمياً إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو". انه حدث جيوسياسي ذو وقع كبير، و بالتأكيد انه حدث استراتيجي في ظل استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا التي مضى عليها اكثر من ثلاثة عشر شهراً .فالحرب التي اطلق شراراتها الرئيس فلاديمير بوتين يوم الرابع و العشرين من شهر شباط (فبراير ) 2022، وضع لها بوتين جملة من الأسباب التي اعتبر انها دفعت بلاده مجبرة الى الحرب في أوكرانيا، كان من أهمها تمدد حلف "الناتو" و الاتحاد الأوروبي الى حدود روسيا، مما اعتبرته موسكو تهديداً امنياً عسكرياً، لا بل إنه تهديد وجودي لروسيا التي تراقب بغضب  تراجع مداها الحيوي الى ادنى مستوياته.
 
فقد رأت روسيا على مدى العقود التي تلت انهيار الإتحاد السوفياتي عام  1991  أن توق الدول التي استقلت عنها، كما الدول الواقعة في المحيط القريب لروسيا هو جزء من مخطط غربي هدف الى فرط عقد روسيا الاتحادية، وتفتيتها. وفي هذا السياق يمكن القول ان انضمام فنلندا الى "الناتو" كالعضو الحادي و الثلاثين من شأنه ان يزيد من عزلة روسيا، وشعورها بالحصار الجغرافي، والعسكري، والأمني، وخصوصا ان الاتحاد السوفياتي سبق ان خاض حربا مع فنلندا بنهاية العام 1939  لمدة ثلاثة اشهر بعدما حاول اجتياحها لانتزاع أراض ذات قيمة استراتيجية له.
 
لكن الحرب التي انتهت بخسارة فنلندا لاراض واسعة كلفت الاتحاد السوفيتي آنذاك ثمناً عسكرياً باهظاً جراء المقاومة الشرسة التي خاضتها القوات الفنلندية في فصل الشتاء القارس في الشمال الاسكندينافي. هذه الحرب، ثم الحرب العالمية الثانية التي أعقبتها دفعت فنلندا الى انتهاج سياسة حياد مع الأخذ بالاعتبار مصالح موسكو .لكن هذه السياسة انتهت بشكل تام  وعلني البارحة مع انضمام هلسنكي الى حلف شمال الأطلسي. صحيح ان مقدمات الحدث كانت واضحة المعالم، لا سيما منذ بداية الغزو الروسي لاوكرانيا، الذي أيقظ مخاوف جميع دول الجوار الروسي دفعة واحدة. و قد بدا كم أن هذا الجوار مؤيد للمقاومة الأوكرانية بوجه روسيا.  وكانت فنلندا من بين الدول التي دعمت مجهود أوكراني الحربي حتى قبل أن تنضم الى حلف "الناتو". وفي الوقت عينه كان سبق لفنلندا أن أقامت نوعاً من التنسيق العسكري الوثيق مع جيرانها من الدول الاسكندينافية، اضافة الى بريطانيا والولايات المتحدة. و هنا لا بد من التذكير بتوقيع اربع دول اسكندنافية هي فنلندا، السويد، النروج والدانمارك على مذكرة تعاون وتنسيق لأسلحة الجو وتوحيد الدفاع الجوي للدول الأربع.
 
وجدير بالذكر ان هذه الدول تمتلك ما مجموعه اكثر من 250 طائرة حربية متقدمة. كما ان طائرات "اواكس" الأميركية حلقت في سماء فنلندا الأسبوع الماضي قرب الحدود الروسية، مما يعتبر حدثاً ذا مغزى كبير ومقلق لروسيا. و للتذكير فإن المسافة بين حدود فنلندا و دينة سانت بطرسبرغ في الشمال الروسي لا تزيد عن 400 كيلومتر! أما المسافة مع عدد من القواعد البحرية الاستراتيجية التي تضم غواصات نووية محملة بصواريخ حاملة لرؤوس نووية متعددة، فلا  يتعدى 200 كيلومتر. 
 
ان انضمام فنلندا الرسمي إلى حلف "الناتو" كان مقدراً له أن يتم بالتزامن مع انضمام السويد. لكن العراقيل التي وضعها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بوجه انضمام السويد حالت دون ذلك. غير ان كل العراقيل لن تنفع سوى في تأخير تنفيذ قرار اتخذ ولن تتم العودة عنه. فالدول الاسكندينافية، ومعها جمهوريات البلطيق الثلاث تعتبر ان روسيا تشكل التهديد الوجودي الأول لها، ولذلك فإن رد فعل موسكو لن يؤدي في النهاية إلا الى تسعير الموقف، وتوسيع الهوة مع جيرانها المباشرين. ان مشكلة روسيا كما سبق ان اشرنا في مقال سابق هنا تكمن في الشكوك التي تعتري جيرانها من نواياها التوسعية و الامبريالية. و الأهم ان موسكو لا تملك لمواجهة هذا الواقع سوى الغرق في مزيد من إجراءات تهدد أمن الجيران فيزداد ابتعادهم عنها في مقابل التصاقهم بحلف "الناتو" و الاتحاد الأوروبي. ما تقدم يجب ان يدفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى التفكير ملياً بالاسباب التي تدفع كل هذه الدول من وسط أسيا الى شرقي أوروبيا واسكندنافيا الى التسابق  للابتعاد عن بلاده بهذين الشكل والاجماع . 
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.