هل ينتصر حزب العدالة والتنمية الذي يمسك بخيوط اللعبة السياسية في تركيا منذ عشرين عامًا في انتخابات هذا العام 2023؟
ذلك هو السؤال الذي تطرحه راهنا أغلب الصحف الفرنسية.
وتقول جريدة "لوموند" في أحد مقالاتها بإن أردوغان، زعيم الحزب المذكور، والذي كان يُلقّبُ بـ"عندليب القرآن" في سنوات شبابه، والذي أصبح على مدى العقدين الأخيرين زعيما مُهاب الجانب، مُنافسًا في ذلك كمال أتاتورك، بدأ يشيخ ويتعب. كما أنه لم يعد قادرا على "تهييج" الجماهير مثلما كان حاله من قبل أيام كانت خطبه النارية والحماسية تهزّ تركيا من أقصاها إلى أدناها، وتقضّ مضاجعَ خصومه السياسيين.
وعند بروزه في مطلع الألفية الجديدة، حظي حزب العدالة والتنمية بإعجاب الولايات المتحدة الأميركية، قائدة الكتلة الغربية الديمقراطية والليبيرالية، مُتوهمة أن هذا الحزب الذي اكتسح بلاده بخطاب براغماتي، والذي حقّق ببرنامج اقتصادي نجاحا باهرا في سنوات قليلة، سيضمن لتركيا الأمن والاستقرار والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
وكان حزب العدالة والتنمية يضمّ في قيادته شخصيات سياسية محنكة تتمتع بتجربة سياسية كبيرة. لذلك اكتسب اعجاب وتقدير ملايين الأتراك من مختلف الطبقات والمراتب الاجتماعية.
وفي انتخابات2007 تمكن هذا الحزب من الفوز بأغلبية المقاعد في البرلمان. وقد استغل إردوغان هذا الانتصار الباهر لوضع حدّ لهيمنة العسكر على الحياة السياسية في البلاد.
ويقول الديبلوماسي الأميركي هنري جي. باركاي المتخصص في الشؤون التركية بإنه كان متفائلا آنذاك بمستقبلٍ مشرق لتركيا، وأنه كان واثقًا من أن بلاد كمال أتاتورك قد أصبحت لها قيادة سياسية قادرة على أن تقودها إلى برّ الأمان.
وقد ظل محافظًا على رأيه هذا إلى حدود بداية العقد الثاني من الألفية. غير أن إردوغان شرع في إزاحة شخصيات بارزة في قيادة الحزب مثل عبد غول المعروف باعتداله وهدوئه حين تشتدّ العواصف السياسية. ومنذ ذلك الحين أصبح حزب العدالة والتنمية في قبضة زعيم واحد، بحيث لا يمكن لأيّ أحد في قيادة الحزب أن يَعْلوَ صوتُه على صوته.
ويرى هوارد أيسنستات المتخصص في الشؤون التركية هو أيضا، والأستاذ في جامعة "سان لاورنس" بولاية نيويورك أن حزب العدالة والتنمية لم يتمكن حتى في سنوات اعتداله وتقدميته من التخلص من التيارات الشوفينية والرجعية. وكان يستغلّ هذه التيارات في حملاته الانتخابية لكسب المزيد من الأنصار، ولتوسيع قاعدته الانتخابية.
وكان إردوغان ولا يزال، يُبدي ميلاً إلى هذه التيارات لأنها ساعدته على أن ينفرد بزعامة حزبه، وأن يسنّ قوانين جديدة تضمن له السيطرة المطلقة على الحكم.
وفي عام2010، مدعومًا من المحافظين المتطرفين، ألغى إردوغان القانون الذي يمنع الطالبات من وضع الحجاب في الجامعات. ومدعوما أيضا بالإمام فضل الله غولان، كمّم وسائل الإعلام، ثم شرع في حملات قمع رهيبة شملت مئات الآلاف من المعارضين والكتّاب والشعراء والصحافيين ورجال الأعمال وغيرهم.
وعلى جميعهم سلطت أحكام قاسية. إضافة إلى كل هذا، قام بحملات تطهير واسعة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية.
لهذا السبب فضّلت شخصيات سياسية الانسحاب من حزب العدالة والتنمية لتكوين أحزاب وتنظيمات صغيرة.
مع ذلك، لا يزال حزب إردوغان يحتل المرتبة الأولى في الإحصائيات. ولعلّه يتمكن من الفوز مرةً أخرى في انتخابات شهر يونيو -حزيران المقبلة.