"التدقيق في التاريخ يمنحني قوة خارقة"، هذا ما تقوله الباحثة الكينية الشابة شاو تايانا مايانا البالغة من العمر ثلاثين عاما للأسبوعية الفرنسية Courrier international (البريد العالمي في عددها الصادر في الأسبوع الأول من شهر مارس -آذار الحالي).
وخلال السنوات الماضية بذلت شاو تايانا جهودا مُضنية للكشف عن حقائق جديدة حول تاريخ بلادها خلال الحقبة الاستعمارية البريطانية الممتدة من عام 1895 إلى عام1963.
وهدفها من ذلك هو الرد على زيف وأكاذيب المصادر والوثائق الرسمية البريطانية التي تمجّد تلك الحقبة، مُعتبرة إياها "حقبة ذهبية" في تاريخ كينيا إذا أنها أخرجتها من حياة "التوحش البدائية" إلى نور الحياة المتمدنة والعصرية.
وكانت شاو تايانا مغرمة برياضة المشي لما كانت طالبة في جامعة مدينة Voi الواقعة جنوب البلاد. وذات يوم، عثرت عن طريق الصدفة على محطة قطارات قديمة، وكانت عبارة عن مبنى بسيط من الآجر الأحمر. وتلك المحطة كانت نقطة استراتيجية للجيش البريطاني خلال الحرب الكونية الثانية. وقد دفع اكتشاف تلك المحطة شاو تايّانا إلى الغوص في تاريخ السكك الحديدية في بلادها خلال الحقبة الاستعمارية.
ومن خلال الأبحاث التي أجرتها في خمسين مكانًا، تبين لها أن تلك السكك التي بناها العمال الكينيون مُكابدين متاعب أدّت إلى موت العشرات منهم كانت لها فوائد منها مثلًا أنها ساعدت الفلاحين على نقل منتوجاتهم إلى المدن، ويَسّرت للأطفال الذهاب إلى المدارس، إلاّ أنها كانت في الوقت ذاته تقود المناضلين الوطنيين المناهضين للاستعمار البريطاني إلى السجون والمنافي.
وفي عام 2016، قامت شاو تايانا في العاصمة نيروبي بعرض صور لمحطات السكك الحديدة القديمة التي تعاني راهنًا من الإهمال، والتي سوف تهدم قريبًا ليتم تعويضها بمحطات جديدة ضمن مشرع صيني. وكان المعرض بعنوان: Save the Ralway، أي انقذوا السكك الحديدية.
وتقول شاو تايانا مايانا بإن الحكومات التي تعاقبت على كينيا لم تحاول أبدا التشكيك في القراءة البريطانية لتاريخ بلادها خلال الحقبة الاستعمارية.
وقد يعود ذلك إلى أن الزعيم الوطني جومو كينياتا طلب من مواطنيه أن "يطووا صفحة الماضي"، وأن يعوّلوا على أنفسهم لبناء مستقبلهم. وقد فعل ذلك لتهدئة من كانوا يُطالبون بمحاسبة البريطانيين على ما ارتكبوه من جرائم في كينيا. وهؤلاء كانوا ينتمون إلى حركة "ماو ماو" الذي قادت النضال الوطني من أجل الاستقلال من عام1952 إلى عام1960. وقد اتسمت تلك الفترة بعنف دموي حيث استشهد حوالي 90000من الكينيين. كما أقام الجيش البريطاني معسكرات اعتقال على الطريقة النازية ليحبس فيها مليون ومائتي كيني مسلطًا عليهم عقوبات مهينة ومؤلمة في كل يوم.
وتقول شاو تايانا مايانا بإنها لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستواصل أبحاثها لفضح جرائم الاستعمار البريطاني في بلادها مستشهدة بقولة للكاتبة النيجيرية شيماماندان غوزي أديشي: "بالنسبة لي، ليس التاريخ شيئًا يمكن أن نستهلكه، بل هو نظام يتوجب علينا أن نعيشه".