امتدادًا لحديثى أمس حول احتمالات تكرار السلوك الروسى من قبل الصين تجاه تايوان بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى نانسى بيلوسى، لجزيرة تايوان، التى تعتبرها الصين جزءًا منها، فإن التساؤل يظل مطروحًا: إلى أى مدى يجب أن نقلق من تحول هذا التوتر إلى صراع عسكرى؟
الصين كشفت عن بعض أوراق الضغط والحصار مبكرًا، فقد أجرت مناورات عسكرية غير مسبوقة قرب تايوان أثناء زيارة بيلوسى، وأكدت التقارير التى تابعت التحركات العسكرية على أن التدريبات بالذخيرة الحية هى اختبار لقدرة الجيش على أداء المهام فى ظل ظروف تشبه إلى حد كبير الحرب الفعلية.
كما أدى قرب التدريبات من الموانئ وممرات الشحن إلى بعض التأخير فى الشحن والطيران، بل إن الصين، الشريك التجارى الأكبر لتايوان، أوقفت عددًا من الواردات من الجزيرة، وهو طعم صغير للألم الذى يمكن أن تسببه الصين فى تايوان والأسواق العالمية. فيما ردت تايوان على لسان وزارة الدفاع قائلة إن التدريبات الصينية هى بمثابة حصار جوى وبحرى على الجزيرة.
الخوف من نشوب حرب فى هذه المنطقة ربما يكون طبيعيًّا، إلا أن احتمالية وقوعها تظل صعبة نسبيًّا؛ لأن تضاريس تايوان عقبة أمام القوة الصينية، حيث ترتفع الجبال الشاهقة من الشواطئ مع سلسلة من البؤر ذات الجزر الصغيرة شديدة التحصين والتى من شأنها أن تشكل تهديدًا خطيرًا على السفن الحربية لجيش التحرير الشعبى، فضلًا عن الألغام الموضوعة بمضيق تايوان.
ويرى بعض الخبراء أنه لا الولايات المتحدة ولا الصين لديهما الرغبة فى تصعيد التوتر إلى الحرب، فأمريكا تناور من بعيد، وذلك بعد تأكيدات البيت الأبيض بأن بكين اختارت المبالغة فى رد الفعل على زيارة بيلوسى، معلنًا فى الوقت نفسه أن حاملة الطائرات «يو إس إس رونالد ريجان» ستبقى فى منطقة تايوان لمراقبة الأوضاع، مشيرًا إلى إرجاء اختبار روتينى لصاروخ عابر للقارات.
أما الصين فترى فى الأساس أن تايوان أراضٍ صينية يجب الاستيلاء عليها بالقوة إذا لزم الأمر، وقامت بحشد عسكرى استمر عقودًا لتحقيق هذا الهدف وردع الولايات المتحدة، الشريك الأمنى للجزيرة منذ فترة طويلة، لكن فى الحقيقة إن بكين تفتقر إلى القدرات اللازمة لشن غزو صريح، ما يجعل مثل هذه العملية معقدة للغاية ومحفوفة بالمخاطر، ربما تكتفى الصين بالضغط على تايوان بدلًا من شن حرب عليها.
الخوف الحقيقى هنا أن شعور الإذلال الشديد قد يدفع الصين، بشكل كبير، نحو إجماع وطنى على ضرورة المواجهة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتضامن المجتمع الصينى، وتسريع انخراط الصين فى عدد من الأنشطة المعادية للولايات المتحدة فى العالم؛ لذلك أعتقد، ويعتقد مثلى كثيرون، أن زيارة بيلوسى كانت استفزازًا فوضويًّا إلى حد ما، غير معدّ وغير محسوب، والدليل أن الإدارة نفسها صرحت بأن بيلوسى تمثل نفسها فى تلك الزيارة، ولا تمثل الولايات المتحدة.