أثارت القمة الثلاثية التي جمعت زعماء روسيا وتركيا وإيران في طهران تحليلات وتفسيرات واستنتاجات بسبب انعقادها في هذا الظرف الدقيق، واختيار العاصمة الإيرانية مكاناً لها، وتوقيتها بعد جولة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة، وربط هذه الجولة بانعقاد قمة طهران.
حاولت هذه القمة أن تصرف النظر عن أهدافها، والغرض منها، بالتركيز على الوضع في سوريا، وأن هذا الاجتماع هو للتنسيق بين هذه الدول، التي تشترك كل دولة في أخذ حصة من أراضي الدولة السورية الممزقة، وتتنافس على المصالح والمكاسب في هذا الاستحواذ أمام نظام لا يحكم.
غير أن ما يجب إدراكه، وعدم إغفاله حين يكون الحديث عن قمة طهران، أن هناك تنافساً بين روسيا وإيران في مختلف القطاعات، فروسيا منعت إيران من تعزيز نفوذها عبر إقامة مرافق اقتصادية في المنطقة المجاورة للقواعد العسكرية الروسية في المحافظات الساحلية في اللاذقية وطرطوس، ضمن تحفظ روسيا على تحركات إيران، وسعيها للتغيير الديمغرافي في إطار رؤيتها لسوريا.
واقتضت مصالح روسيا في سوريا أخذها جانب الحذر في تعاملها مع إيران، وتجنب المواجهة المباشرة معها، دون أن تغض الطرف عن المشروع الإيراني الذي يعرف بالهلال الشيعي، بمعنى أن كل دولة تعمل من خلال أدواتها الخاصة في تحقيق مصالحها في سوريا، وضمن ذلك أن روسيا أقامت علاقات مع السكان في مناطق وجود قواتها العسكرية، كما فعلت إيران من خلال بعض العشائر، والتيارات السياسية، وفعاليات المجتمع المدني.
وتظهر هذه الخلافات غير المعلنة بين إيران وروسيا، في تنافسهما على النفوذ بالأراضي السورية، بمحاولة كلا الجانبين استمالة الجماعات السورية لطرفها، من خلال عقد مؤتمرات، وتقديم بعض المساعدات المالية والإغاثية لهم، بالإضافة إلى مشاريع خدمية، مثل ترميم بعض المدارس التي تضررت مبانيها نتيجة الحرب.
وأمام هذا التنافس الذي يؤذن بالانفجار، متى ما تأزم الموقف، وتداخلت المصالح، جاء تركيز روسيا على المناطق الساحلية، حيث توجد قواعدها العسكرية، بينما يتركز نشاط إيران على المنطقة الحدودية مع العراق، والمناطق الحدودية مع إسرائيل، مستخدمة المليشيات الشيعية، وخاصة حزب الله اللبناني، لتحقيق أهدافها الاقتصادية والتوسعية.
لكن من بين أهم ما يربط موسكو وطهران من تجانس وتوافق في المواقف، ومن المؤكد أنه كان حاضراً في القمة الثلاثية في طهران، خلافهما مع الولايات المتحدة الأمريكية، والحرب الروسية-الأوكرانية، التي أضافت روسيا إلى جانب إيران في العقوبات الأمريكية والغربية؛ ما يجعل كسر هذه العقوبات هدفاً إيرانياً روسياً مشتركاً، بعدم التزام كل منهما بتنفيذ العقوبات على الدولة الأخرى، وإن كان خرق الالتزام بهذه العقوبات سيكون محدوداً.
وعلينا أن نتذكر بأن زيارة الرئيس الروسي لإيران تأتي ضمن مسار محادثات (أستانا) وأن العلاقات الإيرانية-الروسية لا تخلو من بعض الاختلافات حول بعض القضايا، وبخاصة الملف السوري، ومفاوضات الاتفاق النووي في فيينا، بمعنى أن التحالف بين الدولتين ليس تحالفاً قادراً على الصمود والديمومة، وإنما لا يعدو أن يكون توافقاً في بعض القضايا، واختلافاً في قضايا أخرى.
إذاً، قمة طهران حين ننظر إليها من زاوية العلاقة بين إيران وروسيا، يجب عدم تجاهل التعقيدات الكثيرة التي تحيط بها، فالأزمات الطارئة التي قد توحد المواقف، ما أقربها إلى الزوال متى ما زالت أسبابها، على أن أي علاقة بين الدولتين لا يمكن أن تؤثر في منطقة الخليج العربي التي لا يوجد فيها سياسة محاور، خاصة مع ثقل وأهمية وقوة المملكة ودول مجلس التعاون.