أطمة (سوريا): أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن الخميس "إزالة" زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبو ابراهيم الهاشمي القرشي من "ساحة المعركة"، بعدما اقدم على تفجير نفسه خلال تنفيذ القوات الخاصة الأميركية إنزالاً استهدف مقر إقامته في شمال غرب سوريا.
وقال مسؤول كبير في البيت الأبيض إنّه عند بدء العملية، "فجّر الهدف الإرهابي قنبلة قتلته وأفراد عائلته وبينهم نساء وأطفال" داخل منزله الواقع في بلدة أطمة في محافظة إدلب، وهي المنطقة ذاتها التي نفذت فيها واشنطن عملية مماثلة أسفرت في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2019 عن مقتل زعيم التنظيم السابق أبو بكر البغدادي.
وأحصى المرصد السوري لحقوق الإنسان مقتل 13 شخصاً على الأقل بينهم أربعة أطفال وثلاث نساء قضوا خلال العملية التي بدأت بإنزال جوي بعد منتصف ليل الأربعاء الخميس، واستمرت لأكثر من ساعتين وتخللها اطلاق رصاص واشتباكات.
وقال بايدن في أول تعليق على العملية إنّ الجيش الأميركي "أزال من ساحة المعركة" زعيم التنظيم، مؤكداً عودة جميع الجنود الأميركيين سالمين من المهمة.
ومن المقرر أن يتوجّه بايدن في وقت لاحق الخميس بكلمة إلى الشعب الأميركي.
وكانت وزارة الدفاع الأميركية أعلنت صباحاً أن "القوات الأميركية الخاصة بإمرة القيادة المركزية الأميركية نفّذت مهمة لمكافحة الإرهاب في شمال غرب سوريا". وقالت إنّ "المهمة كانت ناجحة ولم تسجل خسائر" في صفوفها.
منذ تسلمه مهامه خلفاً للبغدادي في نهاية تشرين الأول/أكتوبر 2019، لم يظهر القرشي علناً أو في أي من إصدارات التنظيم المتطرف ولا يعرف الكثير عنه أو عن تنقلاته. ولم يعن اسمه حينها شيئاً للكثير من الخبراء بشؤون الجماعات الجهادية. حتى أنّ بعضهم طرح إمكانية أن يكون شخصية وهمية، وقال عنه مسؤول أميركي رفيع المستوى حينها إنّه "مجهول تماماً".
مكافآت
وبعد تقارير استخبارية كشفت اسمه الحقيقي، وهو أمير محمّد عبد الرحمن المولى الصلبي، تبيّن أن الولايات المتحدة كانت قد رصدت في آب/أغسطس 2019 مكافأة مالية تصل قيمتها إلى خمسة ملايين دولار مقابل أي معلومة تقودها إلى المولى، الذي كان لا يزال في حينه قيادياً في التنظيم الجهادي لكنّه مع ذلك كان "خليفة محتملاً" للبغدادي.
وضاعفت المكافأة في حزيران/يونيو 2020 الى عشرة ملايين دولار، بعد أسابيع من وضعه على لائحتها السوداء "للإرهابيين الدوليين".
وبحسب موقع "المكافآت من أجل العدالة" التابع للحكومة الأميركية فإنّ المولى، الذي "يعرف أيضاً باسم حجي عبد الله" كان "باحثاً دينياً في المنظمة السابقة لداعش وهي منظمة القاعدة في العراق، وارتفع بثبات في الصفوف ليتولى دورا قياديا كبيرا" في التنظيم.
واستهدفت العملية الأميركية وفق مراسلي فرانس برس، مبنى من طبقتين في أرض محاطة بأشجار الزيتون. وتضرّر الطابق العلوي منه بشدة وغطى الدخان الأسود سقفه الذي انهار جزء منه. وتبعثرت محتويات المنزل الذي انتشرت بقع دماء في أنحائه.
وتداول سكان ليلاً تسجيلات صوتية خلال العملية، يطلب فيها متحدث باللغة العربية من النساء والأطفال إخلاء المكان المستهدف.
وقال أبو علي وهو نازح يقيم في مكان قريب من الموقع المستهدف لفرانس برس "بدأنا سماع صوت انفجارات خفيفة وبعدها دوّت أصوات قوية".
وأضاف أنهم سمعوا عبر مكبرات الصوت نداءات "لا تخافوا. جئنا من أجل هذا المنزل فقط.. لنخلصكم من الإرهابيين".
وقال أبو أحمد، وهو مالك المنزل الذي أقام فيه القرشي، لوكالة فرانس برس "سكن هذا الرجل (المنزل) منذ 11 شهراً. لم نلاحظ أي أمر غريب.. كان يعطيني بدل الإجار ويغادر".
وأضاف "لديه زوجة وثلاثة أولاد" موضحاً أن شقيقته كانت تقطن مع ابنتها الشابة في الطابق العلوي.
وبحسب مدير المرصد رامي عبد الرحمن، انطلقت المروحيات الأميركية من قاعدة عسكرية في مدينة كوباني (عين العرب) ذات الغالبية الكردية. وشارك عناصر من القوات الخاصة، المدربة أميركياً والتابعة لقوات سوريا الديموقراطية، في العملية في إدلب.
وقال إن الهجوم هو الأكبر منذ العملية التي أدت الى مقتل البغدادي ليل 26-27 تشرين الأول/أكتوبر 2019 في عملية عسكرية أميركية مشابهة في إدلب أيضاً.
وقبل الإعلان الأميركي، غرّد مدير المركز الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية فرهاد شامي أن العملية "استهدفت أخطر الإرهابيين الدوليين".
وجاء القضاء على التنظيم بعد أيام من إعلان قوات سوريا الديموقراطية، التي يشكل الأكراد عمودها الفقري، إعادة سيطرتها على سجن الصناعة في مدينة الحسكة في شمال شرق سوريا، حيث خاض التنظيم هجوماً منسقاً على السجن، شارك فيه مقاتلون من الخارج وسجناء من الداخل.
الحسكة
وعقب الهجوم اشتباكات استمرت لأيام، وأوقعت مئات القتلى من الطرفين.
وتضم منطقة أطمة حيث تم الإنزال الأميركي العديد من مخيمات النازحين المكتظة. ويقول خبراء إن قياديين جهاديين يتخذون منها مقرا يتوارون فيه.
وتسيطر هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) مع فصائل أخرى أقل نفوذاً على نحو نصف مساحة إدلب وأجزاء من محافظات مجاورة. وينشط في المنطقة فصيل حراس الدين المتشدد والمرتبط بتنظيم القاعدة. وتؤوي منطقة سيطرة الفصائل ثلاثة ملايين شخص، نصفهم تقريباً من النازحين.
وتتعرض هذه الفصائل لغارات جوية متكررة يشنّها النظام السوري وحليفته روسيا، فضلا عن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. وتثير الضربات التي تنفذها الولايات المتحدة في سوريا والعراق المجاور بين الحين والآخر انتقادات واسعة، لتسبّبها في مقتل وإصابة مدنيين.
وتشهد سوريا نزاعاً دامياً متشعب الأطراف، تسبب منذ اندلاعه في العام 2011 بمقتل نحو نصف مليون شخص وبدمار هائل في البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.