من اخطر الامور ان تتعاطف الضحايا مع جلاديها، وهذه الحالة ليس لها تفسير غير ان هؤلاء الضحايا مُصابين بمتلازمة ستوكهولم، وهي ظاهرة نفسية خطيرة تصيب الفرد عندما يتعاطف أو يتعاون مع عدوه أو مَن أساء إليه بشكل من الأشكال.
ففي الاوانة الاخيرة ظهرت في إقليم كوردستان اصوات تمجد الدكتاتور صدام حسين وحزبه الفاشي ويضعون صورته في تعريفهم الشخصي في وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، بغض النظر عن انفالاته ومحرقتة وإباداته الجماعية، ودون مراعاة لمشاعر الضحايا التي قضوا نحبهم في هذه المجازر البشعة وتحديداً بعد اغتصاب حزب البعث الفاشي للسلطة منذ شباط الاسود عام 1963.
ومنذ ذالك الوقت ارتبط مصير ومستقبل الشعب العراقي بفرق الاعدام والانفالات البعثية (الإبادة الجماعية) وقرارات منتسبي الحرس القومي الفاشي ارتباط الدم باللحم، واصبح القتل في العراق منذ شباط الاسود ولحد اليوم، شيئا عادياً، متوقعاً، ولا يثير المفاجأة، على الرغم من مرور 19 عاماً على سقوط النظام البعثي الفاشي الذي انتهى بدخول القوات الأميركية إلى بغداد في التاسع من نيسان عام 2003.
اقول بصوت عالي: ان الذي يمجد صدام حسين وحزبه الفاشي لا يعرف معنى الإنسانية، ولا يقيم لنفسه وثم لوطنه وارضه وشعبه اعتباراً وقيمة، وإلا كيف يستطيعون هؤلاء ان يمجدوا قاتل بحجم صدام حسين المتورط في جرائم الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم العمدية الخطرة التي ترتكب وقت السلم او اثناء الحرب؟
فقط في عام الانفال، قتل الدكتاتورصدام حسين أكثر من 182 ألف شخص ودمر الاف القرى والجوامع والكنائس والاديرة وقصفتها بالاسلحة المحرمة دولياً ضمن جريمة الأرض المحروقة، وانا هنا اتحدث كضحية وكشاهد على تلك الجرائم البعثية البشعة (الإبادة الجماعية).
تجريم المروّجين لأفكار البعث الفاشي في العراق :
لأهمية الموضوع وخطورته التقينا الدكتور منذر الفضل، الخبير القانوني وعضو لجنة كتابة الدستورالعراقي وسالناه: على الرغم من حظرالبعث الفاشي دستورياً، إلا أن عدد غير قليل من المؤمنين بأفكاره ما زالوا يمجدون الدكتاتور في العراق وإقليم كوردستان ايضاً ويضعون صورته في تعريفهم الشخصي في وسائل التواصل الاجتماعي، اسأل من هي الجهة المعنية التي يجب ان تقوم بتجريم ومحاسبة المروّجين لأفكار البعث الفاشي سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشر، لان كما تعرفون ان الدستور العراقي حضر الانتماء لحزب "البعث"، كما يمنع أي نشاط أو تجمع يعارض توجهات النظام السياسي القائم، ولكن من دون أن يشير إلى الوضع القانوني للأشخاص الذين يمجدون حقبة حكم نظام الدكتاتور صدام حسين؟
اجاب د. منذر الفضل وقال: بالرغم من انني لم اسمع شخصياً بوجود اي نوع من الترويج والتمجيد للبعث الفاشي في اقليم كوردستان يمكن الاجابة عن هذا السؤال بالشكل التالي: "كانت جرائم حزب البعث في العراق لا تقل بشاعة عن جرائم النازية في الحرب العالمية الثانية، وقد ارتكب صدام وحزبه جرائم ابادة يعاقب عليها القانون الدولي فقتل الالاف من العراقيين الابرياء من كل القوميات والاديان والمذاهب وطالت جرائمه الدول الاخرى مثل ايران والكويت وغيرها. ومن المعلوم بان هناك اتفاقية تعرف بمنع جريمة ابادة الاجناس والمعاقبة عليها لعام 1948 وهذه الاتفاقية تنطبق على جرائم نظام صدام والتي توصف بالجرائم الدولية (International Crimes) وهي : جرائم ابادة الجنس البشري وجرائم العدوان والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب و جرائم الارهاب وجرائم الاتجار بالبشر وغسيل الاموال والفساد المالي والادراي وغيرها من الجرائم العمدية الخطرة التي ترتكب وقت السلم او اثناء الحرب".
ولهذا السبب وبعد سقوط النظام السابق وعند كتابة الدستور العراقي من قبل اللجنة المنتخبة من الجمعية الوطنية عام 2005 وضعنا نص المادة 7 من الدستور التي تجرم ما قام به ذلك النظام. وتنص هذة المادة على ما يلي :
أولا: يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه وتحت اي مسمى كان، ولا يجوز ان يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.
ثانياً: تلتزم الدولة محاربة الارهاب بجميع اشكاله، وتعمل على حماية اراضيها من ان تكون مقراً أو ممراً أو ساحة لنشاطه.
واضاف: "وللعلم فقد قمت بنفسي بكتابة نص المادة 7 من الدستور العراقي بناء على رؤيتي الشخصية والتي تجرم نظام حزب البعث وتم الموافقة عليها واضافتها اثناء اعدادنا للدستور".
ومضى قائلا: "اما بالنسبة للناحية القانونية فيمكن اقامة الدعوى على من يقوم بتمجيد نظام الدكتاتور صدام وحزب البعث النازي ويروج له لانه يخالف بذلك نص المادة 7 من الدستور والقوانين ذات الصلة ومنها القانون رقم 10 لسنة 2005 والذي بموجبة تم محاكمة ومعاقبة مجموعة من مجرمي النظام السابق".
وعليه يمكن محاسبة هؤلاء المروجين عن طريق اقامة الدعوى القضائية عليهم من خلال المنظمات المختصة بحقوق الانسان وكذلك يمكن تحريك الدعوى عليهم عن طريق (الادعاء العام) استنادا للدستور والقانون المذكور والقانون رقم 111 لسنة 1969 المعدل.
اخيراً اقول:
نعم ...لقد حظر الدستور العراقي الانتماء لحزب "البعث" الفاشي، كما يمنع أي نشاط أو تجمع يعارض توجهات النظام السياسي القائم، ولكن من دون أن يشير إلى الوضع القانوني للأشخاص الذين يمجدون حقبة حكم نظام صدام حسين وعليه اطلب من البرلمان الكوردستاني كونه الجهة المختصة بتشريع القوانين، وفقاً لما جاءت به مواد الدستور العراقي ان يقوم بواجبه وان يصدر قرارًا يقضي بتجريم تمجيد حقبة نظام صدام حسين والمروّجين لأفكار البعث الفاشي وتحديد عقوبة لذلك، سواء كان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة قبل فوات الاوان!