لا تزال تدور رحى حرب في شرق أوكرانيا منذ سبع سنوات، والآن يتهم الغرب روسيا بالاستعداد لغزو أوكرانيا.
كل ذلك يُظهر أن اتفاقيات السلام المبرمة لم تؤت أي ثمار. فلماذا أخفقت تلك الاتفاقات وهل لا يزال الحل السلمي وارداً؟
اتفاقيات مينسك
منذ اندلاع الحرب في شرق أوكرانيا في أبريل/نيسان 2014 ، لقي أكثر من 14 ألف شخص مصرعهم. قبل أن يتوصل الرئيسان الأوكراني آنذاك، بترو بوروشينكو، والروسي، فلاديمير بوتين، إلى اتفاق في عام 2015، وقد أصبحت الاتفاقية جزءاً مما يسمى الآن بـ "اتفاقيات مينسك".
وتضمنت هذه الاتفاقيات خطوطا عريضة لكيفية إنهاء الصراع بين القوات الانفصالية الأوكرانية التي تدعمها روسيا في المنطقة المضطربة في شرق أوكرانيا المعروفة باسم دونباس والحكومة الأوكرانية.
منذ ذلك الحين، كانت هناك أكثر من 20 محاولة لوقف إطلاق النار، وفقاً للسفير ميكو كينونين، الممثل الخاص بمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي المعني بالملف الأوكراني.
لم تعمر أي منها لفترة طويلة ولا يزال الجنود يلقون حتفهم على خط المواجهة .
منظمته هي جزء من مجموعة الاتصال الثلاثية (TCG) مع روسيا وأوكرانيا، والتي أنشئت لتنفيذ اتفاقيات مينسك.
ويعتقد السفير أن الحل السلمي يمكن أن ينجح شريطة وجود "إرادة سياسية".
لكن يبدو أن هذا الأمر غير وارد حالياً على ضوء الحديث الجاري عن غزو روسي محتمل و"خطوط حمر" تضعها موسكو للتوصل إلى اتفاق.
هناك أمل آخر للتوصل إلى حل عبر آلية نورماندي، منصة الحوار بين فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا.
تريد روسيا التحدث مباشرة إلى الولايات المتحدة بدلاً من ذلك، مطالبة بضمانات أمنية من حلف الناتو. وقال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إنه يرحب بدور أمريكي أكثر فعالية.
حجر عثرة بالنسبة لروسيا وأوكرانيا
هناك اختلافات جوهرية في المواقف الروسية والأوكرانية، لكن الخلاف الرئيسي يتركز حول تسوية سياسية لمنطقة دونباس.
يقول دنكان آلان، زميل معهد تشاتام هاوس في لندن، إن البلدين لديهما وجهات نظر "لا يمكن التوفيق بينها" بشأن مستقبل المناطق التي مزقتها الحرب في شرق أوكرانيا.
بالنسبة لأوكرانيا، هي أراض أوكرانية تريد استعادتها وفرض سيادتها عليها، أما روسيا، فيُعتقد أنها تريد "إجبار السلطات في كييف على منح حكم ذاتي واسع الناطق أو ما يسمى بالوضع الخاص" لشرق أوكرانيا.
لكن هذا من شأن ذلك أن يحوّل تلك المنطقة إلى "دولة صغيرة شبه مستقلة تسيطر عليها روسيا"، ويمنح موسكو نفوذاً كبيراً وتصبح صاحبة تأثير بالغ في السياسات الخارجية والمحلية لأوكرانيا، كما يقول آلان.
وتجادل الحكومة في كييف، بأن الوضع الخاص بالمناطق التي يسيطر عليها المتمردون في شرق أوكرانيا يوفره نظام الحكم اللامركزي المطبق في البلاد. إلا أن روسيا تتهم أوكرانيا بإفشال عملية السلام والإخفاق في منح الوضع الخاص لهذه المنطقة، فضلاً عن إجراء انتخابات محلية كما تنص اتفاقيات مينسك.
وتقول إن المساعدة العسكرية الغربية لأوكرانيا، تهدد أمنها وتطالب بضمانات رسمية بعدم توسع الناتو شرقا.
إيجاد أرضية مشتركة
لأكثر من أربع سنوات، عمل مارتن ساجديك وسيطا لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي بين الجانبين في مجموعة الاتصال الثلاثية.
ويقول إنه من الصعب الوصول إلى أرضية مشتركة "إذا كان أحد الأطراف يريد أكثر مما هو مكتوب في الاتفاقات"، مضيفًا أن اتفاقيات مينسك تشير إلى توفير حل حول الوضع الخاص لدونباس في إطار اللامركزية في أوكرانيا.
وأضاف أن "الجانب الروسي يؤكد دائما أن مناطق معينة في منطقتي دونيتسك ولوهانسك يجب أن تتمتع بالحكم الذاتي، لكن كلمة الحكم الذاتي غير مذكورة في اتفاقيات مينسك".
روسيا وأوكرانيا: المفوضية الأوروبية تحذر من "ثمن غال" لأي عمل عدائي ضد كييف
إعادة الحدود الأوكرانية
العقبة الرئيسية الأخرى هي كيفية تنفيذ البنود السياسية للاتفاق.
تجادل موسكو بأن اتفاقيات مينسك، تنص بوضوح على الخطوات التالية: يجب إجراء انتخابات محلية وتسوية سياسية قبل أن تستعيد أوكرانيا سيطرتها الكاملة على حدودها مع روسيا.
منذ اندلاع الصراع في عام 2014 لم تتمكن أوكرانيا من الوصول إلى ذلك الجزء من حدودها وتتهم كييف موسكو، باستخدامها لإرسال قوات ومعدات عسكرية لدعم الانفصاليين.
وهذا هو السبب وراء إصرار أوكرانيا على ضرورة استعادة السيطرة على الحدود قبل إجراء الانتخابات المحلية، وإلا فإن "الانتخابات المحلية ستجرى تحت ضغط روسي وفي ظروف الاحتلال الروسي" حسب قول أولكسندر ميريزكو ، نائب رئيس الوفد الأوكراني في مجموعة الاتصال الثلاثية.
ويصر على أنه بموجب اتفاقيات مينسك، يجب إجراء الانتخابات وفقاً للقانون الأوكراني، وهذا ممكن فقط إذا سيطروا على الحدود.
يقول ساجديك إن المفاوضين الروس وممثلي ما يسمى بجمهوريات دونيتسك ولوهانسك الشعبية قد تجنبوا مناقشة تسليم الحدود في المجموعة الثلاثية: "لكننا جادلنا دائماً بأن اتفاقيات مينسك هي حزمة كاملة ولا يمكن للمرء أن يتفاوض بشأنها مثل قطع شرائح لحم".
لم يرد الجانب الروسي على استفسارات بي بي سي، لكن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف حذر في وقت سابق من هذا العام من وقوع "مذبحة" إذا سُمح لأوكرانيا باستعادة السيطرة على شرق أوكرانيا بما في ذلك الحدود، قبل إجراء الانتخابات المحلية.
"لا حلول وسط"
إذاً، هل من الممكن ردم الهوة بين هذين الموقفين بطريقة ترضي الطرفين؟ الجواب هو لا برأي دنكان ألان.
لأن الآراء بشأن سيادة أوكرانيا لا يمكن التوفيق بينها: "بعبارة أخرى، أوكرانيا إما دولة ذات سيادة، وهذا هو موقف أوكرانيا، أو أنها ليست ذات سيادة، أو ذات سيادة غير كاملة وهذا هو موقف روسيا. وليس هناك حل وسط بين هذين الموقفين".
يُنظر إلى المطالب الروسية الأخيرة لمنع انضمام أوكرانيا إلى الناتو على أنها محاولة أخرى لتقييد سيادة أوكرانيا.
حتى لو شاركت الولايات المتحدة في المحادثات، فستكون هناك نفس المواقف غير المتوافقة.
ويعتقد السفير ساجديك أن التسوية ممكنة وأن اتفاقيات مينسك، توفر حلاً قابلاً للتطبيق لإنهاء الصراع، لكن فقط إذا كانت هناك إرادة سياسية، وهذا أمر تتهم روسيا وأوكرانيا بعضهما البعض بعدم امتلاكه.
وعلى الرغم من ذلك، اتفق الجميع على أنه من المهم مواصلة الحوار عبر الأليات الراهنة.
ويقول آلان إن البديل هو شيء "أكثر خطورة بكثير".