من المؤشرات المهمة التي عشناها في العام 2021، هو رفع سقف الاهتمامات الدولية بمكافحة ما يُعرف بتحديات "التغيّر المناخي"، وأصبحنا ندرك أهمية النقاشات العالية المستوى، ومدى فعالية تنظيم القمم العالمية، وإطلاق المبادرات الإقليمية والدولية؛ للحفاظ على استدامة الحياة في كوكب الأرض.
لم تعد هذه المسألة الحيوية بالنسبة للمملكة، ملفًا هامشيًا استعراضيًا، بقدر ما أصبحت منظومة استراتيجية متكاملة مبنية على برامج عمل مؤسسية تهدف إلى التوافق مع مستهدفات رؤية 2030 والخطط العالمية المستدامة، لذلك من المهم العودة إلى أبريل الماضي (2021)، وتذكير الرأي العام المحلي والدولي، بالطروحات والمشروعات السعودية المساهمة في هذا المجال، وهو ما أبرزه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في كلمته خلال قمة المناخ التي حشدت لها الولايات المتحدة الأميركية أكثر من 40 رئيسًا، والتي أكد خلالها على جملة من السياسيات السعودية المهمة، ومنها التزامها التام بالتعاون الدولي لمكافحة التغير المناخي؛ لإيجاد بيئة أفضل للأجيال المقبلة، وإطلاق حزمة من الاستراتيجيات والتشريعات، ومن ذلك: الاستراتيجية الوطنية للبيئة ومشروعات الطاقة النظيفة، بهدف الوصول إلى قدرة إنتاج 50 %، من احتياجات البلاد بحلول عام 2030.
من يقرأ تعامل الحكومة السعودية مع هذه القضية، يدرك بما لا يدع مجالًا للشك حس المسؤولية الوطنية والدولية، لإيجاد حل شامل لمواجهة تحديات التغير المناخي، وما يؤكد ذلك دفعها خلال رئاستها لقمة مجموعة العشرين العام الماضي لتبني مفاهيم الاقتصاد الدائري للكربون، وإطلاق مبادرتين دوليتين؛ للحد من تدهور الأراضي وحماية الشُعَب المرجانية، كما أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"، اللتان تهدفان إلى تقليل الانبعاثات الكربونية في المنطقة بأكثر من 10 % من الإسهامات العالمية، وغرس 50 مليار شجرة في المنطقة، إضافة إلى العديد من المبادرات النوعية.
ستكون الرياض وجهة العالم في أواخر أكتوبر المقبل، لتنظيم منتدى مبادرة السعودية الخضراء وقمة الشرق الأوسط الأخضر، بحضور القادة من مختلف أنحاء العالم، وهو ما يؤكد بصمة المملكة في قيادة الحراك العالمي لمكافحة التغيّر المناخي، وتكمن أهميته هذا التنظيم أنه يأتي قبل أسبوع تقريبًا من انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الدولي بشأن تغير المناخ، في غلاسكو (أسكتلندا)، وهو المؤتمر السادس والعشرون للأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والذي سيركز حول تأثير حالة الطوارئ المناخية على السياسات والنظم الغذائية.
تتقاطع قمة الرياض المناخية المرتقبة، مع تحذيرات تقرير "الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ"، المنشور في أغسطس الماضي، الذي يعتمد في نتائجه على أكثر من 14 ألف دراسة علمية، وأهم ما جاء فيه أن "الانبعاثات الناتجة من دون أدنى شك عن أنشطة البشر" دفعت متوسط درجة حرارة العالم للارتفاع 1.1 درجة مئوية عنها قبل الثورة الصناعية، وأن ارتفاع متوسط درجات الحرارة بأكثر من 1.5 درجة، قد يؤدي إلى تغير مناخي جامح وآثار كارثية مدمرة، ومع تزايد هذا الارتفاع من المتوقع أن تتزايد معه وتيرة الموجات الحارة الشديدة والجفاف والسيول، وأن الأمطار الغزيرة التي كانت تحدث مرة كل 10 سنوات أصبحت الآن أكثر تواتراً وحدة مقارنة بما كانت عليه خلال السنوات الخمسين السابقة لعام 1900 عندما بدأت حرارة الكوكب تزيد بسبب النشاط البشري.
أخيرًا.. أحد المسارات التي تعيها الحكومة السعودية بشكل عميق ومنهجي، وهو ما يحسب لها، أنها تضع حقوق الإنسان نصب عينيها عند التعامل مع تحديات "التغيُّر المناخي"، وهذه نقطة غاية في الأهمية، ونجحت في بلورتها من خلال مشروعات وسياسات واستراتيجيات بيئية واقتصادية وطاقة نظيفة مستدامة وصديقة للبيئة، تهدف إلى المحافظة على سلامة الإنسان، وسلامة الكوكب الذي يعيش عليه.. دمتم بخير.