هل يمكن أن يتحول العزف على الغيتار إلى بوابة لدمار الأرواح؟ سنرز ليس مجرد فيلم رعب، بل تحذير موسيقي مشفَّر من حقبة البلوز إلى عالمنا اليوم!
إيلاف من لندن: يروي فيلم Sinners حكاية التوأم "سموك" و"ستاك"، اللذين يجسّدهما ببراعة النجم مايكل بي جوردن، بعدما قرّرا ترك خلفية مضطربة بحثًا عن بداية جديدة في قريتهما الأصلية. غير أن طريق الخلاص سرعان ما ينقلب فخًا شيطانيًا أشد رعبًا مما هربا منه.
تقع أحداث الفيلم في ثلاثينيات القرن الماضي، وسط أجواء الاستعباد والعنصرية التي طالت الأميركيين من أصول أفريقية، وتُمهّد افتتاحيته بلقطة صادمة تتحدّث عن "أساطير بشرية تولد بموهبة موسيقية خارقة، تخترق الحاجز بين الحياة والموت. هذه الهبة، وإن كانت شافية، فإنها تجذب الشر أيضًا... والشر هنا له وجه معروف: مصاصو الدماء". ولهذا صُنِّف الفيلم تحت مسمى (الرعب).
يقدّم الفيلم شخصية "سامي"، ابن عم التوأم، الذي يؤدّيه ميلز كاتون، كرمز لهذه الأسطورة. سامي، الموهوب بصوت عذب وعزف مدهش على الجيتار، يتحدّى رغبة والده القسيس، ليقف أمام الجمهور ويغني موسيقى البلوز.
وعندما أخذ فرصته وعزف وغنى أمام الملأ، جذب مصاصي الدماء، الذين ساوموه بالمال والشهرة والخلود، بشرط أن يكون منهم وينشر شرهم بصوته وموسيقاه.
سنرز يتجاوز تصنيفه كفيلم رعب، فهو أيضًا غنائي بامتياز، بمشاهد موسيقية تنبض بالحياة وتعيد إحياء البلوز كفن ووجدان ومعاناة. اللافت أيضًا ظهور مشهد راقص مستوحى من التراث الإيرلندي أدّاه الممثل جاك أوكونيل بدور مصاص الدماء "ريميك" (وهو بالمناسبة كان في الحقيقة راقصًا محترفًا قبل أن يحترف مهنة التمثيل). المشهد الراقص، المتقن حتى في الرعب، يذكّر برقصات "Thriller" لمايكل جاكسون، فهو يرقص وحوله مصاصو الدماء بطريقة مبدعة، بالرغم من شكلهم المرعب.
السينماتوغرافيا الساحرة ساهمت في رفع جودة المشاهد إلى مستوى ينافس على جوائز الأوسكار، من حيث الجمال والتقنية. لكن تفرّد الفيلم لا يقتصر على صورته فقط، بل يتغلغل في بنائه السردي المزدوج: الفيلم يسير في طريقين؛ الأول مليء بالرموز يحكي قصة محبوكة، والآخر مباشر سيعجب به من لم يفهم الرموز أيضًا.
وهذا التكنيك يكشف عن عبقرية الكاتب والمخرج راين كوجلر، كما أنه يُعد قفزة لمسيرة البطل روجان المهنية. فقد أجاد تأدية دور التوأم من حيث أنهما شخصيتان مختلفتان، وأيضًا متشابهتان كونهما توأمًا.
مايكل بي جوردن يتألق بثنائية درامية بارعة، مجسّدًا شخصيتين متشابهتين شكلًا، مختلفتين روحًا، في أداء يعدّ نقلة في مسيرته السينمائية. أما الفيلم، فيكسر كل التيمات الهوليوودية المستهلكة، ويأتي بفكرة أصيلة، وأحداث متصاعدة غير متوقعة، ونهاية مفتوحة تحمل دلالات متعددة.
وسنرز يذكرنا بأن جميع الموسيقى الأميركية الأفريقية، والتي نستمع لها حتى الآن، هي نابعة من رحم البلوز. ورمز إلى ذلك في نهاية الفيلم، عندما ظهر أحد مصاصي الدماء في التسعينيات، مرتديًا زي "بيجي"، أحد أشهر مغني الراب في تلك الحقبة، في إحالة ذكية إلى الامتداد الثقافي للبلوز.
ولا يغيب عن بال المشاهد الربط بين القصة الأسطورية للمغني روبرت جونسون – الذي قيل إنه باع روحه للشيطان في 1930 مقابل الشهرة – وبين مسار الفيلم. جونسون، عرّاب البلوز، غنّى عن الشيطان، الموت، وجهنم. أشهر أغنياته؟ أنا، والشيطان، والبلوز... وهذا التشابه مع سنرز ليس صدفة بالتأكيد، فهل "سنرز" قصة خيال أم سرد مستتر لحقيقة خفية في تاريخ الموسيقى؟
في كلتا الحالتين، هو فيلم يخطف الأنفاس، ويستحق المشاهدة دون شك.