الوضع السوري يثير القلق لدى كافة الأشقاء العرب الذين يتطلعون إلى عودة سوريا وطناً واحداً لكل السوريين، وفق نظام حكم يرتضونه، بعيداً عن أي تدخل أجنبي، مع إعطاء الأولوية لمصلحة سوريا فوق كل الاعتبارات.
مأساة الشعب السوري هي مأساة العرب جميعاً؛ حيث يعد السوريون الخاسر الأكبر في هذا الصراع الذي أحرقت نيرانه البلاد منذ عام 2011. وقد خلفت الحرب أكثر من مليون قتيل وجريح، و7 ملايين نازح داخلياً، و5 ملايين مهاجر خارجياً.
مع دخول فصل الشتاء هذا العام، تصاعدت الأوضاع داخل سوريا، خاصة في حلب، حيث شهدت المدينة تصعيداً مفاجئاً من فصائل المعارضة السورية التي تقدمت بوتيرة سريعة. في المقابل، انهارت الوحدات التابعة للنظام السوري والميليشيات الإيرانية، مع مقتل عدد من القيادات الإيرانية وتراجع الدعم الجوي الروسي. ومع ضبابية الوضع في الشمال السوري، يبدو أن شتاء هذا العام سيكون ساخناً حتى درجة الغليان.
تداخل خرائط النفوذ في الشمال السوري يجعل الحديث عن الأوضاع العسكرية هناك معقداً، لكن من الواضح سياسياً أن هناك اتفاقاً ضمنياً بين القوى الفاعلة على إخراج إيران من المعادلة السورية، كما حدث في لبنان.
ارتكز النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان على دعم النظام السوري والمساندة الروسية سياسياً وعسكرياً، مما أتاح لإيران تعزيز وجودها العسكري من دير الزور إلى حلب. لكن يبدو أن هذا القبول بات محل تساؤل في ظل المعطيات الحالية.
ومع اشتداد المعارك في حلب، وغياب الدعم الجوي الروسي، فضّل النظام السوري وحليفه الإيراني الانسحاب الآمن إلى مناطق بعيدة عن خطوط التماس لتقليل الخسائر، بانتظار عودة الطيران الروسي. وفي حال استمرار غيابه، فإن قوات النظام وحلفاءه الإيرانيين سيواجهون مصاعب جمة، ما قد يؤدي إلى خسارة حلب.
إذا تمكنت المعارضة السورية من السيطرة الكاملة على مدينة حلب، حيث استحوذت فعلاً على عدة أحياء، فقد تتسع طموحاتها لتشمل كامل محافظتي حلب وإدلب، مع احتمال التوسع جنوباً إلى حماة ودرعا، وربما غرباً إلى اللاذقية.
إقرأ أيضاً: المستشار تركي آل الشيخ: تتويج في محله
الوضع مرشح للتصعيد، مع احتمال امتداد المعارك إلى مناطق "قسد" (قوات سوريا الديمقراطية) ذات الطابع الكردي والمدعومة أميركياً، خاصة مع رغبة تركية معلنة في دحر "قسد".
أما روسيا، التي تواجه تحديات في أوكرانيا، فقد تجد نفسها مضطرة لإعادة النظر في التزاماتها العسكرية بسوريا، رغم أهمية مصالحها الاستراتيجية، خصوصاً التواجد البحري في البحر الأبيض المتوسط، حيث تعتمد على سوريا كحليف رئيسي بجانب الجزائر.
إقرأ أيضاً: نذير شؤم في الأجواء
الحلول العسكرية للأزمة السورية تبدو غير مجدية في ظل تباين الانتماءات الداخلية، والانقسامات الطائفية، وتضارب المصالح الدولية الباحثة عن مكاسب على حساب سوريا وشعبها.
فهل نشهد قريباً مؤتمر سلام يجمع الفرقاء السوريين، لتستعيد دمشق ياسمينها، وتعود نواعير حماة إلى دورانها، ويعود السلام إلى حلب الشهباء؟