يواجه العراق تحديات كبيرة في قطاع الإسكان منذ عقود طويلة، في ظل النمو المتزايد في أعداد السكان، وتهالك البنية التحتية إلى حد كبير، الأمر الذي أدى إلى فجوة هائلة بين العرض والطلب على الوحدات السكنية، ولكن، الأمر اختلف مع تولي حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني المسؤولية قبل عامين تقريباً، في فترة حساسة ومليئة بالتحديات، حيث تسعى حكومته جاهدة لإطلاق مشاريع سكنية كبرى تلبي احتياجات المواطنين، وتدفع عجلة الاقتصاد، وتحسن من جودة حياة ملايين العراقيين.
يؤدي التوسع في المشاريع السكنية الكبرى إلى سد الفجوة في سوق الإسكان، وتوفير وحدات ميسورة التكلفة للعائلات العراقية، ولا شك أن الحكومة تدرك الأثر التحفيزي لهذه المشاريع على الاقتصاد، مثل خلق فرص عمل جديدة ودعم الصناعات المساندة للقطاع السكني، وعلاوة على ذلك، فإن هذه المشاريع ضرورية لتحسين الظروف المعيشية للعراقيين، فمن خلال توفير منازل ملائمة وبأسعار معقولة، يمكن تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتراب من سبل الرفاهية العامة.
ولضمان نجاح هذه المشاريع السكنية، يجب أن تتعاون الحكومة مع القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب لجذب الاستثمارات الضرورية، كما يتعين تحسين الإطار التنظيمي لتشجيع المشاركة في قطاع الإسكان، وهي أمور تبدو الحكومة عازمة على الأخذ بها، وهذا يعني بوضوح أن الحكومة تدرك حجم الأزمة وخطورتها وأنها ماضية في معالجة تحديات الإسكان وتحسين حياة المواطنين.
تُمثل مدينتي الجواهري، علي الوردي، إضافتين رائعتين للعاصمة بغداد، لأنهما يستهدفان تلبية الطلب المتزايد على المساكن الحديثة، وتوفير بنية تحتية حضرية متطورة تضم خدمات أساسية ومرافق عامة شاملة، وهنا يجب أن ندرك، أن الازدهار السكني لا يقتصر على مدينة بغداد فحسب، بل إنه يشمل أيضاً مدينة البصرة النابضة بالحياة، حيث يعد مشروع الغزلاني شهادة على النهضة الاقتصادية للمحافظة، من خلال توفير وحدات سكنية عالية الجودة تلبي احتياجات الزيادات السكانية المتنامية، مما يسهم في تخفيف الضغط على الأحياء القديمة وتحسين مستويات السكن في المحافظة.
بالإضافة لذلك، يمثل مشروع الجنائن في بابل، أحد المبادرات الطموحة لإحياء عظمة بابل التاريخية، حيث يتم نسج خيوط التراث مع الابتكارات الحديثة لتوفير ملاذات سكنية عصرية تلبي الطلب المتزايد على المساكن في هذه المحافظة الحبيبة، في الوقت نفسه، يمثل مشروع الضفاف في كربلاء استجابة للطلب المتزايد على المساكن في المدينة المقدسة، مدفوعًا بالنمو السكاني المتسارع وزيادة نشاط السياحة الدينية، ولهذا، فإن المشروع سيؤدي إلى تعزيز البنية السكنية في كربلاء، مما يوفر مساكن عالية الجودة تلائم احتياجات السكان، وتدعم النمو المستدام للمدينة.
وعند هذه النقطة، لا يفوتنا الإشارة، إلى مبادرة البنك المركزي لدعم القطاع السكني، والتي تمثل نقطة تحول مهمة في مسيرة القطاع السكني، فقد تدخل البنك المركزي مؤخراً، وتحديداً في أغسطس/ آب من خلال توفير سيولة للمصرف العقاري بقيمة تريليوني دينار بهدف تأمين مبالغ القروض السكنية للمواطنين المتقدمين لشراء وحدات في المجمعات السكنية في جميع المحافظات العراقية، ولا ننسى أنه منذ العام 2015، خصص البنك المركزي 6 تريليونات دينار لتمويل مبادرتين للقروض السكنية، الأولى بخمسة تريليونات ذهبت للمصارف الصناعية والزراعية والعقارية وصندوق الإسكان، ومبادرة بتريليون دينار ذهبت للمصارف الخاصة.
تعكس الاستثمارات العربية في القطاع العقاري بالعراق، اهتماماً إقليمياً واسعاً بهذه السوق الواعدة، وعلى سبيل المثال، فقد وقع الملياردير المصري، نجيب ساويرس، مؤخراً اتفاقية مع الحكومة العراقية لتطوير أكبر مدينة سكنية في بغداد، "علي الوردي"، والتي ستوفر أكثر من 100 ألف وحدة سكنية، كما بدأت مجموعة طلعت مصطفى العقارية، الإجراءات القانونية والفنية اللازمة لإنشاء مشاريع عقارية متميزة في العراق، ونفس الأمر ينطبق على شركة داماك العقارية التي طورت مشاريع سكنية في مدينة لامار، والواقع، أن هذه المشاريع الطموحة، سواء بتمويل داخلي أو خارجي، تمثل خطوات مهمة نحو مستقبل مشرق للعراق، فهي لا توفر فقط منازل مريحة وميسورة التكلفة لمواطنيه، بل تؤسس أيضًا لبنية تحتية حضرية مزدهرة تدعم النمو الاقتصادي والاجتماعي المستدام.
بفضل رؤية حكومة السوداني المتبصرة، شهد قطاع الإسكان طفرة هائلة، فقد تم إطلاق أكثر من 300 ألف وحدة سكنية في مناطق رئيسية مثل بغداد والبصرة وبابل وكربلاء، مما أدى إلى تخفيف حدة أزمة الإسكان بشكل كبير، ولكن هذه مجرد بداية فقط، حيث تخطط الحكومة الآن لإنشاء ستة مدن جديدة في ميسان، واسط، ذي قار، النجف الأشرف، وصلاح الدين، مما سيضيف 100 ألف وحدة سكنية إلى حصيلة الإسكان الوطني، وبذلك، سيرتفع العدد الإجمالي للوحدات السكنية المتوفرة إلى 400 ألف وحدة، مما يمثل خطوة كبيرة نحو تلبية احتياجات الإسكان المتزايدة في العراق، بالإضافة إلى ذلك، سيتم تنفيذ مشاريع متعددة للشركات الصغيرة والمتوسطة في المحافظات الجنوبية، والفرات الأوسط، مما سيوفر ما يقارب 100 ألف وحدة سكنية جديدة.
والواقع، أن القطاع السكني يعتبر محركًا اقتصاديًا رئيسيًا، إذ لا يقتصر دوره على توفير المأوى للمواطنين، بل يساهم أيضًا في تنمية الاقتصاد على نطاق واسع، فمشاريع البناء السكنية تعد مجالاً رئيسيًا لإيجاد فرص عمل جديدة، حيث توظف مهندسين وعمالًا وفنيين برواتب مجزية، مما يساعد على تقليص البطالة، في الوقت نفسه، تزدهر الصناعات المتصلة بقطاع الإسكان، حيث يرتفع الطلب على مواد البناء مثل الإسمنت والحديد والأثاث وغيرها، جنبًا إلى جنب مع زيادة المشاريع السكنية، وهذا بدوره يعزز الصناعات المحلية ويدعم النمو الاقتصادي، بالإضافة لذلك، فإن تطوير البنية التحتية يتطلب إنشاء مشاريع سكنية ومجتمعية، وهذا الأمر يعزز من أنظمة حيوية مثل قطاع النقل وشبكات المياه والكهرباء، مما يحسن، عموماً، من جودة الحياة العامة ويخلق بيئة مريحة للمواطنين.
وحتى يتم تنفيذ مشاريع الإسكان الضخمة بنجاح، من الضروري مواكبة تطوير القطاع المالي العراقي، وأحد العوامل الحيوية هو توفير قروض سكنية بأسعار معقولة للأفراد من ذوي الدخل المتوسط والمنخفض، وسيسمح هذا للمواطنين بالاستفادة من المشاريع والحصول على منازل العمر بأسعار معقولة، ولهذا، يجب أن تلعب البنوك العراقية دورًا رئيسيًا في تمويل هذه المشاريع من خلال إنشاء حزم تمويل مخصصة للإسكان والتي تساعد في سد فجوة العرض والطلب، مما يمكن المزيد من المواطنين من امتلاك منازلهم.
رغم وجود خطط حكومية طموحة لمعالجة الأزمة، إلا أن البلاد تواجه عقبات كبيرة تعيق تنفيذ هذه المشاريع بفعالية، إذ تشمل هذه التحديات البيروقراطية المتفشية، ونقص التمويل، وغياب التخطيط الحضري الشامل، ومع ذلك، تمثل هذه المشاريع فرصة ذهبية لإعادة هيكلة قطاع الإسكان وتحويله إلى بيئة جاذبة للمستثمرين المحليين والأجانب، فمن خلال معالجة هذه التحديات، يمكن للعراق توفير مأوى ملائم لمواطنيه وخلق فرص اقتصادية جديدة في قطاع الإسكان.
يمثل تطوير القطاع السكني نقطة تحول محورية في مسيرة العراق التنموية، ومع وجود مشاريع طموحة مثل مدينة الجواهري وعلي الوردي في بغداد، والغزلاني في البصرة، والجنائن في بابل، والضفاف في كربلاء، إلى جانب الإعلان المرتقب عن ست مدن جديدة، فإن العراق يمهد الطريق لثورة سكنية شاملة، ولضمان نجاح هذه الرؤية التحويلية، يجب تعزيز التعاون بين الحكومة والقطاعين المالي والخاص، ومن خلال الجمع بين الخبرات والموارد، يمكن للكيانات المتعددة العمل معًا لإنشاء مجتمعات سكنية مستدامة تلبي احتياجات المواطنين العراقيين المتنامية.
علاوة على ذلك، فإن تطوير بنية تحتية متكاملة أمر بالغ الأهمية لدعم التوسع السكني، وهذا يشمل الاستثمار في النقل والمرافق والخدمات العامة التي ستعزز جودة الحياة للعراقيين، فمن خلال توفير إمكانية الوصول إلى البنية التحتية الأساسية، يمكن للنهضة السكنية أن تدفع النمو الاقتصادي عبر خلق فرص عمل جديدة وجذب الاستثمارات، ومن خلال التركيز على التعاون والابتكار والاستدامة، يمكن للنهضة السكنية في العراق أن تكون حجر الزاوية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، وبالطبع، ستوفر هذه المشاريع مساكن لائقة لملايين العراقيين، وتخلق فرصًا جديدة، وتساهم في مستقبل أكثر ازدهارًا للبلاد.