بعد زيارة الزعيم الكُردي مسعود بارزاني الأخيرة إلى العاصمة الاتحادية بغداد، كثر الكلام وعجَّت القنوات الفضائية العراقية بعشرات المحللين وتزاحمت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي بطروحات بعض كتاب الرأي، والتي تذهب إلى أن هناك سعي جاد أو رغبة جادة لتدشين زعامة كُردية للعرب السنة في العراق، وحتى بعض الذين يُعدون ضمن قائمة السياسيين في العراق وكذلك بعض الزعامات الاجتماعية ذهبوا في هذا الاتجاه، في حين أن الواقع ليس بهذه النمطية، فلا يمكن للمنطق السليم التسليم بهذا الموضوع كحقيقة أو كمُسلُّمة أو أنَّ السعي لذلك لا بُدَّ جارٍ، فهذه الطروحات إما أنها تنبع من خيال شاعري في لحظة حماسة، أو أنها تدل على قصر النظر في التحليل، أو أنها ضربٌ من النفعية والوصولية لدى بعض أصحاب الطرح، فالواقعية السياسية وكذلك الظرف السياسي وكذلك العاطفة القومية لا يُمكن لها في النهاية التسليم لهذا الخيال، فحقيقة الأمر أن الزعيم الكُردي مسعود بارزاني لا يُمكن له – بعد التجارب المتخمة بالأحداث المريرة عبر عقود – أن يسعى بهذا الاتجاه أو أن يقبل بهكذا طروحات، وهذا معروف وليس في حاجة ملحة إلى البحث والتحليل لتأكيده، ومن يريد أن يتأكد من هذا الرأي يستطيع التقدم بالسؤال إلى السيد مسعود بارزاني كي يلقى الجواب الذي لا يجانب رأي كاتب هذه السطور.
لا يمكن التهرب من حقيقة مساعي بارزاني لتقريب وجهات النظر بين الزعامات العربية السنية في العراق، خاصة في ما يتعلق بمشكلة توافق الأطراف العربية السنية (السياسية) على مسألة حسم منصب رئيس مجلس النواب، والذي هو منصب من حصتهم حسب الدديمقراطية التوافقية المبنية على المحاصصة والتوازن والشراكة، هذا الأمر الذي غدا شائكاً ومعقداً بعد استبعاد محمد الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب وبذلك انتعش الخلاف بين (تقدم) الذي يتزعمه محمد الحلبوسي و(السيادة) التي يتزعمها خميس الخنجر، لذا فإنَّ مساعي بارزاني في بغداد ركزت إلى حد كبير لوضع حد لهذا التنافس والصراع (السني- السني) وتهدئة الأمور وتوحيد الآراء للخروج من مأزق رئاس مجلس النواب، ويقينا فإنَّ (بارزاني) لم يفكر مطلقاً بزعامته للعرب السنة، فهو زعيم كُردي ويتزعم قضية قومية بحتة ما زالت شائكة ومعقدة وهي قضية مُرهقة للغاية وبحاجة إلى جهود استثنائية كي تصل إلى حدود الحل ضمن العراق الفيدرالي، فهل يحتاج مسعود بارزاني إضافة مشكلة كبيرة أخرى لحمله الثقيل ويتصدى لمهمة زعامة العرب السنة؟ السؤال هنا موجه الى المحللين والسياسيين والكتاب الذي ذهبوا باتجاه زعامة بارزاني للمكون العربي السني في العراق.
إقرأ أيضاً: بارزاني... الرؤية والمنهجية في تقييم الوضع العراقي
يُقال بأنَّ السياسة (فن الممكن)، وتبعاً لهذه القاعدة فإنَّ الزعامة الكردية للعرب السنة غير ممكنة ولأسباب عديدة، منها أنه ليس هناك أي طموح لدى الكُرد للتصدي لهذه المهمة، ومنها أنَّ العرب السنة في النهاية لا يمكن لهم - ومن منطلق قومي بحت - القبول بزعامة كُردية لهم، وهذا موضوع نفسي اجتماعي سياسي تأريخي له تفاصيل معقدة ومملة لا مجال لإيرادها هنا، فشتان ما بين العاطفة الجياشة لطروحات بعض المحللين والسياسيين غير الواقعية التي تتناثر مع أثير الفضاء حال انتهاء اللقاءات والحوارات التلفزيونية وبين ما هو مترسخ ومتجذر في العقل الجمعي وحتى العقل الفردي للزعماء السنة وهذا حق طبيعي لهم، كما أنَّ للكُرد حق طبيعي بزعامة تنتمي اليهم وللشيعة بزعامة تنتمي اليهم، فهل يقبل الآن العقل الجمعي الكُردي بزعامة عربية أو تركية أو فارسية؟ كذلك الحال بالنسبة للآخرين واؤكد بأنَّ هذا الشيء حق طبيعي ولا مهرب ولا تنصل منه.
لا يمكن الادعاء بالوحدة التامة بين المكونات السياسية العراقية، فالعرب السنة (سياسياً) منقسمون على أنفسهم، والشيعة (سياسياً) منقسمون على أنفسهم، والكُرد (سياسياً) منقسمون على أنفسهم، فهل يمكن للمنقسمين على أنفسهم سياسياً وبحدة أن يتصدوا لمهمة مكون آخر سياسياً؟ والجواب معروف.
إقرأ أيضاً: النخب الثقافية الكُردية والرؤية المطلوبة
لقد تعود المجتمع العراقي أو كما يُسميه البعض (الشارع العراقي) على طروحات الكثير من المحللين والكتاب وحتى الساسة الذين يتصفون بالمجاملة المفرطة، إلى درجة لا يمكن معها التصديق بآرائهم، وهذا شيء مؤسف ومؤلم، فهذه المجاملات أغراضها في كثير من الأحيان نفعية وصولية على حساب مآسٍ عديدة في هذا البلد.
بأيّ حال، الزعيم الكُردي مسعود بارزاني لا يفكر بهذه النمطية (أقصد زعامة العرب السنة)، أما بعض الزعامات الاجتماعية والسياسية وكذلك بعض المنتمين للنخبة الثقافية العربية السنية في النهاية لا يمكن لهم القبول بزعامة كُردية لمكونهم وهذا أمرٌ وحقٌ طبيعي.