"بريكس" تعني اختصاراً أسماء الدول المؤسسة لهذا التكتل، وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا، وقد أعلن عنه في 16 حزيران (يونيو) 2009 في مدينة يكاترينبورغ الروسية، ويهدف إلى تأسيس نظام عالمي ثنائي القطبية، حيث اتفق رؤساء هذه الدول في اجتماعهم على مستوى القمة على هامش قمة الدول الصناعية الكبرى في جزيرة هوكايدو اليابانية على مواصلة التنسيق في القضايا الاقتصادية العالمية بما فيها التعاون في النظام العالمي المالي وحل قضايا إمدادات الغذاء.
في قمة جوهانسبيرج بجنوب أفريقيا، أعلن الرئيس الجنوب الأفريقي في 24 آب (أغسطس) 2023 عن دعوة ست دول جديدة للانضمام إلى هذا التكتل، وهي السعودية والإمارات ومصر والأرجنتين وأثيوبيا وإيران، وذلك اعتباراً من 1 كانون الثاني (يناير) 2024، ليشكل هذا التجمع 45 بالمئة من سكان العالم، و25 بالمئة من مساحة اليابسة و36 بالمئة من الناتج المحلي، بزيادة 6 بالمئة عن الناتج المحلي لدول G7 البالغ 30 بالمئة، وبحجم اقتصادي مالي يبلغ 28.3 تريليون دولار.
ويلاحظ أنَّ هذا التكتل لا يضم أياً من دول الغرب، أي أميركا الشمالية وأوروبا، وإنما دول آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، وفي هذا دلالة على أن التجمع يراد منه إحداث توازن يقابل التجمع الغربي الذي يسعى لفرض رؤية غربية سياسية واقتصادية وصلت لحد الهيمنة وفرض الدولار كعملة وحيدة للتبادلات الاقتصادية وفق نظام Swift الغربي، مما جعل التجمع الغربي يتحكم بالنظام الاقتصادي العالمي، واتضح ذلك بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تم إخراج روسيا من نظام Swift وفرض ما يزيد عن 3000 عقوبة اقتصادية على قطاعات اقتصادية وصناعية وتجارية عديدة في روسيا. وهذا الانفراد الغربي بالتحكم بالاقتصاد العالمي شجع على قيام تكتلات سياسية واقتصادية أخرى للانعتاق من الاقتصادات الغربية المحفوفة بالمخاطر عند حدوث أزمات، لتصبح عصا العقوبات جاهزة!
من هنا يتضح أنَّ تكتل بريكس يرغب في إحداث توازن في التبادلات الاقتصادية العالمية مع إعطاء فرصة لعدد من العملات للولوج للنظام الاقتصادي العالمي الجديد ونظام المدفوعات بعملات خارج نطاق الدولار، مثل اليوان الصيني والروبل الروسي وغيرهما من العملات، لا سيما بعد أن تجاوزت الديون الأميركية سقف 300 تريليون دولار نتيجة الإفراط في طباعة كميات هائلة من الدولار دون وجود غطاء لهذه الأوراق النقدية من الذهب، ولتجعل هذه العملة في مهب الريح والانهيارات المستقبلية المتوقعة، مع الارتفاعات الزائدة لأسعار الفائدة الأميركية.
إذا، يسعى هذا التكتل لمزيد من المرونة في العلاقات الدولية، وفتح أسواق جديدة، وتشجيع التبادلات التجارية بالعملات المحلية، مما يعزز نظام المدفوعات لهذه الدول بعيداً عن هيمنة الدولار.
إقرأ أيضاً: السعودية والتوازنات الدولية!
ومما لا شك فيه أنَّ انضمام ست دول جديدة إلى التكتل سيعزز من قوته على الصعيدين السياسي والاقتصادي، لا سيما بعد انضمام أكبر دولة نفطية في العالم إليه، وهي السعودية، جنباً إلى جنب مع دولة الإمارات العربية المتحدة، وتعتبران قطبي منظمة أوبك والعضوين الفاعلين في أوبك بلس، بما لهما من ثقل اقتصادي للحفاظ على توازن وأمن سوق الطاقة العالمي بعيداً عن الاهتزازات المتأثرة بالصراعات العسكرية، وأخطرها الحرب الروسية الأوكرانية التي تحولت إلى صراع روسي غربي بعد الدعم اللامحدود من قبل أميركا وأوروبا لأوكرانيا، مما زاد من مخاطر نشوب حرب كونية ثالثة وحرب نووية مدمرة.
لذا، رأينا السعودية والمنظومة الخليجية والعربية تتخذ الحياد الإيجابي في هذه الأزمة، مما عزز نفوذها كوسيط موثوق لدى طرفي الصراع، بل أصبحت السعودية مقراً ومقصداً يأتيه الشرق والغرب للبحث عن حلول للأزمات السياسية والاقتصادية، لما تتمتع به الدبلوماسية السعودية من حكمة وعقلانية وتغليب المصالح العليا للشعوب لضمان توفر سلاسل الإمداد والطاقة لكل الشعوب بعيداً عن تسييس سلعة النفط لأهداف سياسية وعسكرية.
إقرأ أيضاً: هل غير الطيران المسيّر مفاهيم الحروب الحديثة؟
وفي الاجتماع الذي افتتحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مدينة نينجني نوفغورد الروسية، حضر صاحب السمو الأمير فيصل الفرحان وزير الخارجية الدولة المدعوة لهذا الاجتماع من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، حيث أعلن الرئيس الروسي أن هذا الاجتماع سيكون تحت عنوان "تعزيز التعددية من أجل تنمية وأمن عالميين عادلين"، من خلال تعزيز دور بريكس في النظام النقدي العالمي وتوسيع استخدام العملات الوطنية في التجارة المتبادلة بين الدول الأعضاء. وأوضح بوتين أن الرئاسة الروسية لمجموعة بريكس 2024 ستركز على التعاون الإيجابي والبنّاء مع جميع البلدان المعنية، وأضاف قائلاً: لن ندّخر أي جهد لتسهيل الاندماج المتناغم للمشاركين الجدد في جميع أنشطة مجموعة بريكس، مع الحفاظ في الوقت نفسه على التقاليد والاسترشاد بالخبرة التي اكتسبتها المجموعة خلال السنوات الماضية. ومن خلال عنوان الاجتماع، نخلص الى نتيجة مفادها أنَّ الأمن والعدالة والحفاظ على التقاليد يتم بعيداً عن فرض القيم بالقوة وتمرير الأجندات تحت أي مسمى أو ذريعة، وهي رسالة واضحة للغرب بأن العدالة في المعاملات وتحقيق الأمن الاقتصادي وأمن الطاقة مع المحافظة على القيم وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول سيكون شعار مجموعة بريكس.
وجدير بالذكر أنَّ مشاركة المملكة العربية السعودية بوفد سياسي واقتصادي أعطى ثقلاً وازناً لهذا الاجتماع لما تشكله الرياض من أهمية كبرى عالمياً على كافة الأصعدة.