: آخر تحديث

ما علاقة روسيا بقرار تركيا إعادة فرض التأشيرة على الطاجيك

38
41
41

نشرت الجريدة الرسمية في تركيا في 5 نيسان (أبريل) الماضي، مرسوماً رئاسياً يقضي بمنع دخول مواطني طاجيكستان الى الأراضي التركية دون تأشيرة. وجاء في نص المرسوم أنه "تم اتخاذ قرار بإلغاء نظام الإعفاء من التأشيرة لمواطني طاجيكستان الذين يدخلون تركيا باستخدام جواز سفر عام"، من دون ذكر الأسباب الموجبة لإلغاء القرار الذي بدأ العمل به عام 2021.

لا ريب أن هذا المرسوم يرتبط بشكل وثيق بالهجوم الإرهابي على قاعة للحفلات الموسيقية بإحدى ضواحي موسكو، والذي سرعان ما تبناه تنظيم "داعش – خراسان"، فيما تشير مجريات التحقيق الى بصمات أوكرانية وغربية.

فقد ذكرت تقارير إعلامية أن اثنين من أعضاء المجموعة الإرهابية التي نفذت الهجوم، وجميعهم من الجنسية الطاجيكية، زارا مدينة اسطنبول التركية بين كانون الثاني (يناير) وآذار (مارس) الماضي، وأقاما في فندق هناك.

"لماذا يريدون إبرازنا كأمة من الإرهابيين؟"
للوقوف على خلفيات قرار أنقرة، يجب النظر الى المشهد بشكل أوسع وأعمق. فقد برزت الجنسية الطاجيكية بقوة خلال سلسلة الهجمات الإرهابية التي تبناها تنظيم "داعش – خراسان". واحدة من هذه الهجمات حصلت في اسطنبول، في 28 كانون الثاني (يناير) الماضي، حينما تعرضت كنيسة سانتا ماريا لهجوم مسلح، تبناه تنظيم "داعش"، وأسفر عن وقوع قتيل واحد. وقد ألقت السلطات التركية القبض على المنفذيْن، ليتبين أن الأول طاجيكي، فيما الثاني روسي.

مذذاك، شنت حملات واسعة لملاحقة خلايا تنتمي الى تنظيمات إرهابية، أدت الى اعتقال 147 من عناصر "داعش"، و17 من عناصر "داعش – خراسان"، حسبما كشفت وسائل الإعلام التركية الرسمية.

وعقب الهجوم الإرهابي في موسكو، كشف وزير الداخلية التركية، علي يرلي قايا، عن إلقاء القبض على 48 مشتبه بانتمائهم الى داعش، وفيهم الكثير من الجنسية الطاجيكية، وذلك ضمن إطار التعاون مع السلطات الروسية.

يبدو أن التحقيقات مع الموقوفين كشفت عن خطط غربية لتوريط الطاجيكيين، ومن خلفهم أنقرة، في المزيد من العمليات الإرهابية ربّما ضد روسيا، حيث يعمل الغرب على استغلال الفقر المدقع الذي يعاني منه الكثير من أبناء طاجيكستان، الدولة ذات الطبيعية الجبلية والموارد الاقتصادية المحدودة، من أجل تجنيد العشرات منهم لتنفيذ عمليات إرهابية تخدم أهدافه، مقابل المال.

في روسيا وحدها، يبلغ عدد العمال الطاجيكيين قرابة 1.3 مليون عامل، حسب الإحصاءات الرسمية، فضلاً عن تقارير تشير الى وجود مئات الآلاف من المهاجرين الطاجيكيين يعملون هناك بشكل غير قانوني.

بيد أن الفقر ليس هو السبب الوحيد لتركيز التنظيمات الإرهابية، ومن يخطط لها، في عمليات التجنيد على المواطنين الطاجيك، بل ثمة سبب أكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، وهو العلاقة الوثيقة بين دوشانبي وموسكو. فمنذ سنوات، يركز الإعلام الغربي على الترويج أن النظام الطاجيكي الدكتاتوري القمعي الحاكم المقرب من موسكو، يدفع بالشباب الطاجيك الى الانضمام للتنظيمات الإرهابية لانعدام وجود أي بديل سياسي.

أحدث هذه التقارير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" منذ أيام قليلة، وتضمن تصريحاً واضحاً بهذا الصدد من محي الدين كبيري، زعيم حزب النهضة الطاجيكي المعارض، وهو تنظيم إسلامي راديكالي حمل السلاح، وقاتل ضد النظام الطاجيكي في السنوات الأولى عقب ولادة الجمهورية، ثم أعلن تخليه عن العمل المسلح، مع الإبقاء على الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة. قال كبيري أنه "ليس هناك أمام الشباب الطاجيكي سوى خيارين: ديكتاتورية علمانية، وبشكل بديل داعش أو الجماعات الإسلاموية المتطرفة الأخرى". وفي التقرير نفسه، تتساءل والدة أحد الشبان الطاجيكيين الذي نفذوا الهجوم الإرهابي في موسكو: "لماذا يريدون إبرازنا كأمة من الإرهابيين؟".

"صوت خراسان" الروسية - التركية
نجحت أنقرة في السنوات الأخيرة في نسج علاقات مميزة مع موسكو على مختف الأصعدة، ولا سيما عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا عام 2016، بدعم غربي، حيث كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أوائل الداعمين للنظام الديموقراطي التركي المنتخب، على عكس الدول الغربية، وذلك على الرغم من كون أنقرة هي القوة الثانية، بعد واشنطن، في حلف شمال الأطلسي، الموجه ضد موسكو بالدرجة الأولى.

ومذّاك فإن مسار تطور العلاقات بين طاجيكستان وتركيا سار بالتوازي مع مسار تطور العلاقات بين الأخيرة وروسيا، والتي أفضت الى مشاريع اقتصادية ذات بعد استراتيجي وجيوسياسي، مثل مشروع "السيل التركي" للغاز الطبيعي، ومحطة "أكويو" التركية للطاقة النووية التي افتتحها الرئيس الروسي. فضلاً عن شراء أنقرة منظومة صواريخ "إس – 400" الدفاعية الروسية، رغم كل الضغوط الغربية.

لذا، فإن قرار أنقرة تشديد القيود على المواطنين الطاجيك، وإعادة العمل بنظام التأشيرة، أتى بالتنسيق مع موسكو، ويهدف الى تقويض الخطط الغربية لتنفيذ هجمات إرهابية جديدة في روسيا بالدرجة الأولى، وكذلك في تركيا، ولا يؤثر على تطور العلاقات بين أنقرة ودوشانبي رغم أن الأخيرة ردت بالمثل في إجراء دبلوماسي كلاسيكي.

كذلك الحال، فقد ردت موسكو على المخططات الغربية، من خلال إطلاق مناورات روسية – طاجيكية واسعة في 16 نيسان (أبريل) الجاري، للتدرب على رصد المجموعات الإرهابية والقضاء عليها من خلال استخدام مختلف الأسلحة والوسائل العسكرية، حسبما أعلنت وزارة الدفاع الروسية، في تأكيد منها على مدى التعاون الأمني المكثف بين روسيا وجمهورياتها السابقة في آسيا الوسطى، وخاصة طاجيكستان.

ما يجدر التوقف عنده ملياً، هو قيام تنظيم داعش – خراسان، عقب أيام قليلة من الهجوم الإرهابي في موسكو، بإنشاء مجلة إلكترونية باللغة الطاجيكية تحمل اسم "صوت خراسان"، تركز على العداء لروسيا. وإطلاق نسخة منها باللغة التركية أيضاً، بما يشكل مؤشراً واضحاً الى توجهات هذه الجماعة الإرهابية، ومن يقف خلفها ويدعمها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف