: آخر تحديث

"الحَرَد" من الناس!

10
12
10

إذا ما حاولنا أن نكون واقعيين، ونكتب بكل تجرد، بعيداً عن قذف الناس بكلمات جارحة دون وجه حق حيال ما يصيب الكثير من أفراد المجتمع الذي نعيش بين أحضانه، وما يعتريه من صور مؤسية ومقيتة التي طالما ترافق أفراده، وكثير منها دون سبب مباشر وواضح، وإنما لمجرد "الحَرَد" والزعل من الناس، سواء أكان هذا الإنسان صديقاً أو قريباً، أباً أو أماً، زوجة أو ابن، وخلافه.

كل هذه الشرائح من الممكن جداً أن تكون مثار توقف لجهة ملاحظة بسيطة، وموقف مؤلم يستدعي من الآخرين أن يكون لهم موقف سلبي تجاهه، وإن كانت العلاقة بين الطرفين، قبل حدوث الموقف، على ما يرام.

فالحياة برمتها فيها الكثير من الصور المؤلمة والمفرحة.. عرفتُ بعضها عن طريق التجربة المباشرة، وعرفت بعضها الآخر عن طريق قراءاتي، والمشكلة الرئيسة في هذه الصور كلها هي المشكلة التي شغلتني سنوات طويلة، فانصرفت إلى التفكير فيها بعقلي وقلبي معاً. وهي نفسها المشكلة التي وجدت الكثيرين يفكرون فيها مثلي، وربما أكثر مني، ويبحثون لها عن حل.

مشكلة لا يمكن تحديدها في كلمة واحدة. إنها مشكلة "الحَرَد"، أو الزعل من الحياة.. هذا "الزَعل" الذي لم يفلِت منه إنسان أبداً. حتى الذين توافرت لهم أسباب السعادة الكاملة من مال وصحة وراحة بال، حتى هؤلاء قد تعرضوا لتجارب وقفوا أمامها حائرين، وحاولوا التخلص منها بسلام.

فكيف يعيش الإنسان في سلام مع نفسه، وفي سلام مع الناس؟ ما الطريق إلى ذلك، ما العقبات التي تقف في الطريق؟ وكيف يتصرف المهزومون في معركة الحياة، وكيف يتصرف المنتصرون؟ ما الأمل.. وما التفاؤل؟ ما التشاؤم.. ما الأسى.. ما الفرح؟

إقرأ أيضاً: الزواج من مطلقة

والمسألة في النهاية هي مجرد محاولة، لا تزيد في أنجح صورها على أن تكون مجموعة من أقراص الأدوية المهدئة، هدفها تخفيف ذلك المرض القديم.. الحزن البشري "الحَرَد" من الناس!

هذا "الحرد"، بالتأكيد لا يأت عن عبث، أو هكذا. فالصورة تراها تكتمل مع اكتمال موقف معين، أو إحساس دفين يُصاحبها ما يجعلنا نقف على فحوى هذه الملاحظة التي قد يكون لها ما يُبرّر اتساع رقعتها، في اختلاف وجهات النظر بين الطرفين، وتختلف اختلافاً كلياً، وهذا ما يحاول البعض تفسير نقطة الخلاف موضوع المشكلة، التي يرجو الغالبية حلها لتساعدهم على تجاوزها، وهذا الموقف من هذا التعامل الذي صار يحيط بالغالبية من الناس الذين تراهم يأخذون موقفاً سلبياً من هذه المسألة، وإن كانت عرضية لا قيمة لها.

استمرارنا بهذه النظرة التي لا يمكن أن تتغير أو تتبدل وببساطة، فهذا يعود إلى طبيعة الأشخاص وأمزجتهم وطاقتهم، وما مدى تفاعلهم مع الحدث، وإن كان غامضاً وغير واضح الرؤية، ما يعني شدّة حدسه، وجوهر المعاناة التي يعيشونها.

فما مصير كل هذا الزعل والحرد من لا شيء، وهذا الموقف الذي يشكل نقطة علاّم في حياة الأفراد.

إقرأ أيضاً: لغة العيون

الاختلافات في وجهات النظر تظل قائمة في كل الأحوال، ولكن يجب أن لا يستمر الخلاف، وقد يكون غامضاً، لدرجة أن الطرف المعني بالموقف يجهل السبب الحقيقي، وعلى ضوئه برز هذا الموقف، وليس عنده أي خبر بشأنه. مجرد اختلاف ما والمشكلة هنا بالتأكيد تتسع وعلينا أن نتجرد من كل شيء وأن نكون صريحين مع هؤلاء الأشخاص على توضيح المشهد على بساط أحمدي بعيداً عن الخجل أو الاستحياء في عرض المشكلة.

الاختلاف في وجهات النظر قد يحدث بين شخص وآخر، ولكن لا بد من تبيان هذا التصور، وهذا الموقف وأسباب الحرد من شخص من الحياة لسبب لا يمكن تعريفه، بل علينا توضيحه على أن يلامس وجهة نظر الطرف الثاني الذي هو بعيد عن الإدلاء به وفك رموزه والإفراج عنه، وهذا ما يطيل من فترة الخلاف، ويتأزم مع مرور الوقت، ويجر إلى اختلاق مشكلات كثيرة بلا مبرر، فعلينا أن نبوح بصدق مشاعرنا وإحساسنا تجاه الطرف الثاني، والإدلاء بأسباب المشكلة الأساس كي لا تطول وتتأزم وتستمر أياماً وأشهراً، والخاسر فيها الطرفان.

إقرأ أيضاً: حال السوريين المعسر!

إنَّ مواقف الحرد في الحياة كثيرة ومتعددة الأوجه، وعلينا تصنيفها، بحيث أنها يجب أن تلاقي الأطراف التي تعرف بوجهات النظر التي يمكن معها أن نقف عندها بحثاً عن حل مباشر لها مهما كانت النتائج، وقد تكون في مجملها "تافهة" بالكاد أن نحسن التعبير عنها.

فالمواقف تتعدد في الحياة التي نعيش، ويتفق الجميع على وضع حل مباشر لإسقاطها، لا أن نجعلها تتسع وتزداد تألقاً في إيجاد الحل المناسب لها، وبالتالي الخاسر من كل ذلك طرفي النزاع، والحل يكمن بالتصريح عن الأسباب الممكنة وراء اتخاذ الموقف الذي علينا تحديده والاقتصار في طرحه وحسم الخلاف في وقته، وهذا هو الحل الأسلم، حتى تكتمل صورة الحياة، وانفراج الأسارير، وعلى كل فرد أن يعرف حدود مشكلته ومتى يقف عندها، وما يعاني من أسباب جوهرية والسعي لمحوها نهائياً، وبتر أمثال هذه الصور المتعفنة من حياتنا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف