الشيعة في لبنان مساكين طائفيون كغيرهم في هذا البلد. أكثر بعض الشيء يمكن. لكن ما يميّزهم (معظمهم وليس الجميع) عن الجماعات الأخرى هو تمتعهم بدعم دولة أخرى وولاؤهم لهذه الدولة على أساس ديني، وعلى حساب لبنان، دولةً وشعباً، بعدما سيطروا عليه بسلاحهم وتنظيمهم، وأيضاً تعصبهم الذي سيرتد عليهم وبالاً في نهاية الأمر. خصوصاً أنهم غير أهل لإدارة قرية من مذهب واحد، وقد أثبتوا ذلك بجلاء في الأزمة الراهنة، فكيف ببلاد شديدة التعقيد والتعدد، وذات تاريخ مديد في التآمر والانقلاب على الحاكمين عند أول فرصة، مثل هذه البلاد؟
"لا لحزب الله ولا لسلاحه"... يافطة تحملها متظاهرة أمام مسجد محمد الأمين في وسط بيروت. 6 يونيو 2020
يغالي هذا الفريق من اللبنانيين في تقدير تفوقه بالاعتماد على إيران حين أن بقية الطوائف سبقته بكثير، وبالدَور، على هذه الدرب واستخلصت منها العبر بعد خسارات وتضحيات مريرة. يبدو الشيعة "هؤلاء" - ودائماً ليس جميع الشيعة- في هذا المشهد كأنهم في سن مراهقة يحاولون إقناع شيوخ بالخوض في مغامرات مستحيلة، اختبروها وانغمسوا فيها وصارت لهم من الماضي.
إلا أنه يجدر الاعتراف بأنهم الأقدر على إثارة الشعور بالإشفاق على طفوليتهم، وفي الآن نفسه على تزجية الوقت بما يضحك، عندما يتقبلون مثلاً خبريّات نظام الخميني عن إزالة إسرائيل من الوجود خلال دقائق، كما تأتي من طهران، أو عن انتصار إلهي تحقق هنا أو هناك، ومظلومية مزعومة لجماعة في هذا البلد أو ذاك من البلدان العربية، تستحق أن نحرق في سبيل رفعها لبنان ومصالحه وتطلعات شعبه إلى علاقات صحية متينة مع شقيقات عربيات، يشكلن له رئة ونافذة إلى حياة كريمة لكثيرين.
وهم فوق ذلك يتمتعون بحس مغامرة قلّ مثيله في هذا العصر بين الجماعات وفي القيادات. هل يُمكن مَن يتمتع بذرة عقل أن يُقدم على قتل رفيق الحريري والإتيان بميشال عون رئيساً للجمهورية؟
الأغرب أنهم قعدوا بعد ذلك يبكون معنا. تُرى ماذا كانوا يتوقعون، غير هذا الخراب؟