أيّتها اللبنانيات، أيّها اللبنانيون،
يعز عليّ أن دولتنا، التي بذل أجدادنا وآباؤنا الغالي والرخيص في سبيل نشوئها وترقّيها بين الدول والأمم، قد انتهت عملياً في عهدي.
وبالقدر نفسه يؤلمني جداً أن يلتصق ذكر عهدي في التاريخ بتجويع أهل هذه البلاد، ومصادرة جنى أعمارهم والتضييق عليهم وإلغاء امتيازات لبنان، للمرة الثانية خلال نحو مئة وخمسٍ من السنين.
أجدني اليوم في وقفة الضمير الوجدانية هذه أمامكم، وبصفتي أباً للجميع، مدفوعاً إلى مصارحتكم القول إنّ الكثير مما نعانيه يعود إلى تغلّب شهوة الحكم والسلطة على أي اعتبار وقيمة أخرى لدى الحاكمين، هؤلاء الذين حكموا لبنان سعداء في هذه الحقبة المفصلية السوداء، وأنا في طليعتهم، متحملاً كل واجباتي الدستورية والأدبية، إلى أن دهمتنا جميعاً الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية القاتلة، والثورة.
ولا مفرّ لي في لحظة الصفاء والمكاشفة هذه من الإقرار أمامكم بأن لا حلول لديّ ولا لدى الحاكمين معي، الفعليين والاسميّين، المُعلَنين والمخفيّين، وبأنّنا لا نمتلك أي تصوّر عملي للخروج من هذه الورطة. لذلك تروننا بين حين وآخر نكابر وننكر وجود أزمة، ثم نعود ونعترف بوجودها، ونوزع الاتهامات والتبعات والأوهام والأحلام والوعود بوجود حلول ومخارج.
أيّتها اللبنانيات، أيّها اللبنانيون،
تصل إليّ كل نهار وليل تعليقاتكم ومواقفكم، وأتفهّم غضبكم، وحتى تعليقاتكم، الجارحة أحياناً، تحت وطأة المعاناة الثقيلة عليكم، وبعضها يبلغ تشبيه هذا العهد بزمن المتصرف واصه باشا وصهره كريكور كوبليان.
أقرّ وأعترف بأنّ صهري هذا نقطة ضعف رئيسية في عهدي، لكنّها ليست الوحيدة، ولا أنا وحدي بين المسؤولين الحاليين والسابقين في لبنان الذي خلط بين السياسة والحكم وشؤون العائلة، فسامحوني واعلموا أنّ جبراناً هو أنا وأنا جبران، أتينا إلى الحكم والقصر معاً، وسيبقى فيهما مِن بعدي.
أيّتها اللبنانيات، أيّها اللبنانيون،
تراني أختلف مع كثيرين منكم في النظرة إلى السياسة والشأن العام، إنها فنّ الوصول إلى الحكم والبقاء فيه، لا يهمّ كيف وبأيّ وسيلة، دعونا من المثاليات والأخلاقيات. لقد كان السعي إلى هذين، أي الوصول والبقاء، دأب جميع الذين تعاقبوا على حكم هذه البقعة من الأرض منذ أن وُجدت عليها شعوب وممالك وفتوحات واحتلالات. بعضكم يشكو من نفوذ الإيراني اليوم، ويتناسى النفوذ الذي كان قبله للنظام السوري، والفلسطيني والإسرائيلي، وقبله الفرنسي، والبريطاني، والعثماني، والمملوكي، والإفرنجي والعربي الإسلامي، والبيزنطي، والروماني، والفرعوني وغيره. إمبراطوريات تأتي وتروح، تترك آثارها على نهر الكلب، وهناك سأترك بينكم جبراناً، وأثَري.
سأخوض معكم في المصارحة والشفافية والوضوح إلى أبعد مدى.
السلاح الجيّد هو الذي يخدم أهدافي، والسيّء هو الذي يقف في وجه هذه الأهداف، أياً تكن هويته والاستخدامات.
لقد أردت الحكم والرئاسة والقصر طوال حياتي بأيّ ثمن ووسيلة كما أسلفت، ولم أشغل بالي بما سيكون عليه عهدي وما سأفعل لاحقاً، لكن هذا الحلم المجنون المكلف والرائع، ما كان ليتحقّق، رغم تحالفي مع "حزب الله" ونظام الأسد الذي قاتلته سابقاً وصالحته لاحقاً، لولا نبوغ جبران الذي عرف كيف يزيل عقبة كَأداء تلو أخرى من أمامي. ضحك على سعد الحريري فأوهمه أنّ عهدي سيكون على الحياد بين إيران والعرب الخليجيين، فتطوّع الحريري لإقناع السعودية برِهانه على عهدي، كما ضحك على سمير جعجع بتوقيع اتفاق معه على تقاسم "حصة المسيحيين" في دولة لبنان. هكذا نجح الداهية جبران في فرط ما كان يُسمّى بـ"تحالف ١٤ آذار" الذي كان مدعوماً داخلياً وعربياً ودولياً، فأخرج الحريري وحليفه السابق جعجع من جنة حكمٍ أفقدتهما صوابهما. وأما وليد جنبلاط، فتكفلت بحل مشكلة اعتراضه ظلالُ سلاح "حزب الله".
وحلّ عهدي على لبنان ذات ٣١ تشرين الأول ٢٠١٦، قبل ثمانية أيام من حلول عهد دونالد ترامب على الولايات المتحدة. لو تأخر انتخابي ثمانية أيام لما صرت رئيساً. عهدي نعمة على لبنان وشعبه شاء من شاء وأبى من أبى.
شكراً سلاح "حزب الله"، كم أنا ممتنّ لهذا السلاح الذي منع انتخاب أيّ أحد غيري سنتين ونصفاً، شكراً لجبران ولا شكر لمن انتخبوني من غير إيمان بأنّني "جايي من ألله" وبلا حماسة، وخصوصاً الذين يفكرون بمزاحمة جبران على خلافتي، مثل سليمان فرنجية وجعجع.
أيّتها اللبنانيات، أيّها اللبنانيون.
قلتُ: دهمتنا الأزمات المالية والاقتصادية و"الثورة"، وأضيف: "الكورونا". أما الأزمات، فأكذب إذا أخبرتكم بأنّنا قادرون على حلّها. فالعالم يطلب من الدولة اللبنانية أن تتخلّى عن سلاح "حزب الله"، والدولة اللبنانية و"حزب الله" على عهدي واحد. وحتى إذا شئنا وشاءت قيادة هذا الحزب في لبنان فلا فكاك ممكناً بينهما، وليس أمامنا وأمامكم سوى مواجهة مصيرنا والعالم، وانتظار مردود الثروة النفطية المخبوءة تحت بحرنا. وحتى ظهور هذا الكنز المرصود، ليكن الله في عون من لا تصل يده إلى مالٍ يقيه العَوَز والجوع من اللبنانيين. ولكم أن تتخيّلوا كم كانت الأوضاع أسوأ لو لم أكن أنا موجوداً ولم أكن رئيس جمهوريتكم.
يا ألف أهلاً بانتخابات نيابية مبكرة إذا لزم الأمر.
ستكون مناسبة لتثبيت تمثيلنا لكم مرة أخرى
أما "الثورة"، وهي ليست ثورة في رأيي، بل مجرد حركة سياسية معارضة ومشبوهة تستغلّ امتعاض الناس من الفقر والقِلّة، فعلاجها نحو مئة ألف من العناصر العسكرية والأمنية، وأيضاً نحو مئة ألف من عناصر "حزب الله"، وفوقهم الأجهزة القضائية والعدلية الجاهزة دوماً برعاية وتوجيهات حسان دياب وتغطيتها لتطبيق القوانين المرعية الإجراء.
ويا ألف أهلاً بانتخابات نيابية مبكرة إذا لزم الأمر. ستكون مناسبة لتثبيت تمثيلنا لكم مرة أخرى.
وختاماً، أكرر دعوتي إلى كل من ينفد صبرهم من رعايا الدولة اللبنانية التي أترأس، ويفقدون أملهم في تحقيق شعار "التغيير والإصلاح" الأثير والأحب إلى قلبي، للاقتداء بأجدادنا الذين هاجروا إلى بلاد الله الواسعة، لعلّ الحظ يحالفهم في بلاد أخرى.
ولا تنسوا أباكم الذي يحبكم كثيراً ويفكر بكم على طول.