: آخر تحديث

العراق والقوات الأميركية.. ماذا تغيّر؟

70
71
81
مواضيع ذات صلة

يعد الوجود العسكري الأميركي أحد أبرز القضايا المثيرة للجدل على الساحة الداخلية في العراق، وبعد نحو عامين من تأييد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لاستمرار تواجد القوات الأميركية على أرض بلاده، وتأكيد الحاجة لها رغم قرار البرلمان العراقي وقتذاك بشأن المطالبة بخروج هذه القوات، يبدو أن هناك تغيرًا في الموقف الرسمي العراقي تجاه هذا الملف الشائك، حيث أعلن يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة العراقية، أن وفد بلاده الذي زار واشنطن مؤخرا طرح وجهة نظره بشأن إنتفاء الحاجة لوجود قوات قتالية على أراضيه. 

وكان وفد عسكري عراقي برئاسة وزير الدفاع ثابت محمد العباسي قد زار الولايات المتحدة بناء على دعوة من وزير الدفاع الأميركي، حيث ناقش الوفد، بحسب البيان الرسمي"شكل العلاقة المستقبلية بين العراق والتحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وتأكيد الوفد العراقي على الثوابت المتعلقة بسيادة العراق، وتنامي قدرات قواته المسلحة بمختلف صنوفها واضطلاعها بمهامها في حماية الأمن والاستقرار وتأمين حدود البلاد".

الموقف الأميركي بشأن الوجود العسكري في العراق يرتكز في السنوات الأخيرة على البقاء بدعوة من الحكومة العراقية، للقيام بـ"دور تمكيني" في مكافحة الإرهاب، من خلال تقديم الإستشارات الأمنية ومهام التدريب للقوات العراقية، مع التزام العراق بحماية قوات التحالف من أي أطراف خارجية، وذلك بحسب تصريحات لوزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أدلى بها في مارس الماضي.

هذه الصيغة باتت بمرور الوقت عبئاً على كاهل العراق، ليس فقط في ضوء الرفض الشعبي المتواصل للوجود العسكري الأميركي، لاسيما من جانب التيارات والفصائل الشيعية، ولكن أيضاً لأن هذا الوجود يعطي إيران ذريعة للتدخل في شؤون العراق، واستهداف القواعد التي تتمركز بها القوات الأميركية بين الفينة والأخرى.

الولايات المتحدة التي كان لها نحو 130 ألف جندي خلال فترة الغزو، باتت تحتفظ بحوالي 2500 جندي في العراق، و900 آخرين في سوريا، والهدف الأساسي المعلن من وجودهم هو تقديم المساعدة في محاربة تنظيم "داعش". وكان رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني قد اكد في كلمة ألقاها في مؤتمر ميونيخ للأمن منتصف فبراير الماضي، أن بلاده ليست في حاجة إلى قوات قتالية من التحالف الدولي، بل إلى مستشارين لأغراض الأمن والتشاور، مشدداً على أنه لا وجود لتنظيم "داعش" حالياً في العراق، وان التنظيم انتهى عسكرياً وميدانياً في البلاد.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل يسعى رئيس الوزراء العراقي الذي كان من أشد مؤيدي استمرار الوجود العسكري الأميركي إلى إحداث تغيير يختزل الدور الأميركي في أعداد رمزية من المستشارين العسكريين؟ والجواب هو أن هناك عوامل كثيرة تغيرت خلال العامين الماضيين، حيث يتجه العراق إلى مزيد من الأمن والاستقرار، ويسعى رئيس الوزراء الحالي إلى بناء توافقات عديدة تضع العراق بمنأى عن الاستقطابات الدائرة إقليميًا ودوليًا، وفي القلب من ذلك بطبيعة الحال العلاقات الإيرانية ـ الأميركية، التي تنعكس على العراق في أحيان كثيرة وتحوله إلى ساحة لتصفية الحسابات، لاسيما الإيرانية من الجانب الأميركي.

في ظل التشابكات الحاصلة داخليًا في العراق حول وجود القوات الأميركية، ولاسيما من التيار الموالي لإيران، علاوة على الضغوط الإيرانية المستمرة على الحكومات العراقية المتعاقبة بشأن هذا الملف، ولاسيما منذ مقتل الجنرال قاسم سليماني القائد السابق للحرس الثوري إثر ضربة أمريكية في بغداد، ورغم أن القوات الأميركية بالعراق لا تتمركز بالشكل المتعارف عليها في قواعد خاصة بها، وإنما تنتشر داخل قواعد عسكرية عراقية يبلغ عددها بين 12ـ 14 قاعدة بحسب بعض التقارير الإعلامية، ومن أبرز هذه القواعد "عين الأسد"، و"الحبانية، و"كركوك"، و"القيارة"، و"بلد"، وهي موجودة بشكل رسمي ضمن إتفاقية تم توقيعها مع الحكومة العراقية.

المتغير في الموقف العراقي يرتبط أساساً بالتأكيد على انتهاء أي وجود لتنظيم "داعش" في البلاد، وهو السبب الذي دفع محمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق للقول في تصريحات نشرتها صحيفة "وول ستريت جورنال" في 15 يناير 2023، بأن الحاجة للقوات الأجنبية في بلاده لا تزال قائمة، وان القضاء على تنظيم "داعش" يحتاج إلى المزيد من الوقت.

السوداني الذي تولى الحكم في أكتوبر الماضي لم يخف منذ البداية رغبته في ان تكون علاقات بغداد مع الولايات المتحدة مماثلة لتلك التي تتمتع بها السعودية وغيرها من الدول الخليجية المنتجة للنفط، ومضى يقول إنه لا يرى أنه من المستحيل أن يكون للعراق علاقات جيدة مع إيران والولايات المتحدة.

المغزى هنا أن السوداني يسعى إلى النأي بالعراق عن التجاذبات الإقليمية والدولية، وأن يعيد هيكلة علاقات بلاده مع حلفائها من أجل سد الذرائع أمام التدخلات الخارجية في شؤون العراق، ونزع فتيل التوترات السياسية التي تحدث بين الفينة والأخرى ويتخذ بعضها من مسألة الوجود العسكري الأميركي في البلاد شعاراً لاثارة المشاكل والفتن على الساحة السياسية الداخلية.

السوداني الذي سبق أن وصف القوات الأميركية بـ"الصديقة" لم يغير موقفه تجاه العلاقات العراقية مع واشنطن على الأرجح، ولكنه يريد إعادة التموضع استراتيجياً كي يسترد العراق توازنه ويستعيد أمنه واستقراره بشكل كامل بعد أن نجح السوداني في تحقيق الكثير من النجاحات الدبلوماسية إقليمياً، ويمضي في طريق بناء علاقات عراقية خارجية متوازنة مع جميع القوى الاقليمية والدولية، واضعاً العراق على خارطة الفعل السياسي والدبلوماسي في المنطقة كنقطة تواصل واتصال بين الجميع، ساعياً لتحييده والنأي به عن جميع الصراعات الجيوسياسية، والقيام بأدوار الوساطة والتهدئة التي تتيح لبغداد استعادة بعض من ثقلها ومكانتها الاستراتيجية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.