: آخر تحديث

دول السلطات الثلاث

63
55
54
مواضيع ذات صلة

لا شك أن الكثير سيقرأ العنوان ويذهب مباشرة إلى السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية التي تتكون منها الدولة بالمفاهيم السياسية والدستورية، وبصرف النظر عن طبيعة النظم السياسية في غالبية دول الشرق الأوسط ومن شابهها في قارات آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية، فإن السلطات الثلاث مجرد أدوات بيد الحاكم وليس المحكوم، وإن ادعا البعض بأن إحداهن أي التشريعية منتخبة من قبل الشعب فهي بالتالي سلطته، على اعتبار أنهم استخدموا صناديق الاقتراع لانتخاب ممثلي الشعب!

وفي واقع حال هذه الدول وموروثاتها من التقاليد والعادات والأعراف المرتبطة ارتباطا جنينيا مع الدين وتفرعاته ومع النظام القبلي وتكويناته فإن السلطات الثلاث في حقيقة الأمر ليست كما يُعرفها المفكر أو المشرع الدستوري السياسي، بل هي سلطات أخرى بلبوس ومسميات تلك السلطات حيث يكون المحتوى الديني والمذهبي والنظام القبلي ورموزه ومجموعة العادات والأعراف الاجتماعية هي السلطات الحقيقية، بعيداً عن أي مفهوم مهني لتلك السلطة، حيث يحتل المحتوى أعلاه ورموزه من شيخ القبيلة ورجل الدين ومنظومة العادات مكانة القانون في توجيه بوصلة الحكم والفصل في كل القضايا، وما يحصل اليوم من تجارب في البلدان التي أُسقطت نظمها السياسية السابقة كما في العراق واليمن وإيران وأفغانستان والسودان وليبيا تعطي أفضل نماذجٍ لدول سلطات رجال الدين والمذهب والقبيلة والعادات.

ورغم أن معظم هذه البلدان عاشت في تاريخها السياسي تحت حكم أنظمة شمولية والعديد منها كان يدعي اليسارية أو الليبرالية أو العلمانية أو الاشتراكية، لكنها أي هذه الأنظمة فشلت فشلاً ذريعاً في إحداث تغيير أفقي نوعي في تربية وسلوك تلك المجتمعات التي بقيت في تفاصيل حياتها خارج تأثير الحكم تمارس تلك الهيمنة غير المرئية لرجال الدين والقبيلة والتقاليد الموروثة، وبمجرد غياب الدولة إثر سقوط نظامها السياسي نهض ذلك التأثير المتكلس في ذاكرة وعقلية المجتمعات بدون استثناء وهيمنت الأعراف الدينية وتفرعاتها المذهبية والنظام القبلي ورموزه ومنظومة العادات والتقاليد، وكان ذلك جلياً في تجارب كثير من دول المنطقة ومن شابهها في عدة قارات، حيث توغلت سلطة التشريع الديني وهيمنة رجال الدين وشيوخ العشائر وأعرافها على معظم مفاصل الدولة وبالذات الأمنية والعسكرية، حيث بدأت تلك السلطات تدير الدولة من خلال الأحزاب ومصداتها الميليشياوية التي تسلقت سلم الانتخابات بتأثيرات الفتاوى والدعم القبلي وموروثاته التي نجحت في توجيه بوصلة الناخبين، مما أدى الى امتلاك تلك المنظومة لأعلى سلطة في البلاد متمثلا بالهيئة التشريعية، وبذلك كانت السلطات الثلاث في معظم هذه البلدان لا تتجاوز سلطة الدين والقبيلة والتقاليد والأعراف، وبذات عناوين التعريف السياسي والدستوري للسلطات!

[email protected]
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.