: آخر تحديث

تركيا: من المؤسس الأول الى المؤسّس الثاني؟

21
19
20
مواضيع ذات صلة

بعد معركة انتخابية حامية دامت أسبوعين فاز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالدورة الثانية للانتخابات الرئاسية بولاية ثالثة بنسبة مريحة بلغت حسب النتائج غير الرسمية 52 في المئة من الأصوات، على مرشح المعارضة كمال كليتشدار أوغلو. فشلت المعارضة في تحقيق انتصار على أردوغان في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على حد سواء، وفوتت فرصة ذهبية لاحت لها في الأفق في الأشهر القليلة الماضية، عندما ظهرت على أردوغان وحزبه ملامح ضعف تراكمت جراء المصاعب الاقتصادية الكبيرة التي واجهتها تركيا في الأعوام الماضية، فضلاً عن آثار الزلزال الهائل في شهر شباط ( فبراير) الماضي بعدما أدى الى مقتل أكثر من 45 ألف شخص في تركيا وحدها، و ما رافق هذه الكارثة من مشاكل متصلة بعمليات الإنقاذ،  والانتقادات الواسعة التي وجهت الى الحكومة متهمة إياهما بالتقصير وتجاهل مخاطر الزلازل عندما مُنحت تراخيص البناء في المناطق المنكوبة بشكل عشوائي، مما تسبب برفع نسبة الضحايا. أضف الى ذلك أنه عندما وصل الرئيس اردوغان الى السلطة قبل عشرين عاما قامت سياسته الخارجية على مبدأ "صفر مشاكل" مع دول الجوار، ثم تراجعت هذه السياسية مع الوقت مفسحة المحال امام سياسة "مشاكل مع الكل"، لاسيما مع بدء مرحلة "الربيع العربي" عام 2011. طبعاً لم تكن الاعوام الأخيرة لحكم اردوغان داخليا مريحة، فقد اتسمت بمواجهة سياسية وإعلامية كبيرة مع التيارات العلمانية،  والليبرالية في البلاد التي أخذت عليه ميله المتعاظم الى محاصرة المد الليبرالي في البلاد ورفع منسوب الحكم المتسلط، وخصوصاً بعد محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، ثم تعديل الدستور عام 2017  الذي عزز الصلاحيات الرئاسية على حساب صلاحيات البرلمان، مما حول نظام الحكم في تركيا من برلماني الى رئاسي.
 
فاز الرئيس اردوغان بولاية رئاسية ثالثة، و هذه سابقة، تماماً كما هي سابقة أن يفوز بها في الدورة الثانية. لكنه مع ولاية ثالثة سيكون حظي بأطول مدة حكم لرئيس منذ تأسيس الجمهورية قبل مئة عام ( 25 عاماً) .ولعل ما كان يهم اردوغان اكثر من أي شيء مضى أن يدخل التاريخ الى جانب مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك كرئيس سيترك بصماته على تركيا لاجيال قادمة. فقد فرض تغييراً جوهرياً على الجمهورية عندما قلص من قوة السياسة العلمانية القصوى التي انتهجها اتاتورك، كما حاصر الجيش واخرجه من المعادلة السياسية بعد عقود كان فيها الأخير الناظم الأول للحياة العامة في البلاد. وهنا سيكون مشهد الاحتفالية بالمئوية الأولى لتأسيس الجمهورية في شهر تشرين الأول (أكتوبر) معبراً لان من سيتصدر الاحتفال هو الرجل الذي غير الكثير في الجمهورية التي أسسها اتاتورك.
 
المراقبون الذين يعرفون جيداً شخصية رجب طيب أردوغان يقولون انه يرى نفسه منذ الآن "المؤسس الثاني" للجمهورية التركية التي توازن بين الإرث العثماني الإسلامي والإرث الاتاتوركي العلماني مع ميل لتعزيز الانتماءين القومي و الإسلامي في ان معا . فهو يريد ان يقف بيوم الاحتفال بمئوية تركيا الحديثة ليعلن قيام مئوية ثانية ستحمل بصماته . عملياً قد تتحول الاحتفالية بالمئوية الى اعلان وفاة جمهورية أتاتورك وولادة جمهورية اردوغان، مع فارق جوهري هو ان اتاتورك أقام حكماً دكتاتورياً، في حين ان اردوغان لن يتمكن من حكم تركيا كسلفه، لان تركيا منقسمة عامودياً بين من يؤيد مشروعه، ومن يعارضه. لذلك سيجد "المؤسس الثاني" امامه عقبات كبيرة تبدأ بالانقسام الحاد في المجتمع حول قضايا جوهرية، مروراً بالوضع الاقتصادي المتراجع باستمرار، وانتهاء بالتحديات الخارجية مع الخصوم والحلفاء على حد سواء.
 
فاز اردوغان بولاية ثالثة، ومعه فاز التحالف الحاكم بالبرلمان. لكن الفوز لا يعني ان طريقه ستكون مفروشة بالورود. فالمعارضة التي خسرت هذه الجولة افلحت في مكان ما بحشد نصف المجتمع تقريباً خلفها. من هنا سيتعين مراقبة مسار أردوغان وحزبه، لاسيما ما يحضره بمناسبة الاحتفال بمئوية الجمهورية التركية الأولى .


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد