في 12 ديسمبر الحالي، تسلّم البنك المركزي العراقي من بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي المبلغَ المتبقي من صندوق تعويضات الكويت بقيمة ثمانية ملايين دولار، بعد تسديد كامل التعويضات (وقدرها 52.4 مليار دولار)، وقد شملت أفراداً وشركاتٍ وحكوماتٍ، تمكنوا من إثبات تعرّضهم لأضرار بسبب غزوه الكويت إبان حكم صدام حسين في عام 1990. وعلى الرغم من أن العراق سدّد آخرَ دفعة في فبراير الماضي، فإنه لا يزال ينتظر قرارَ مجلس الأمن الدولي لإخراجه من أحكام الفصل السابع والتخلص تدريجياً من قيود أكثر من 40 قراراً فُرضت عليه وكَبَّلت اقتصادَه طيلةَ 32 عاماً عاشها العراقيون في عزلة كبيرة.
لقد كان العراقُ يدفع أكثر من ملياري دولار سنوياً لسد هذه التعويضات، وبتوفير هذا المبلغ فسيضاف إلى موازنة العام المقبل التي قد تتجاوز 120 مليار دولار نتيجة نمو إيرادات النفط. وهو ما سيفتح صفحةً جديدةً في تاريخ البلاد الاقتصادي، وسيسمح بإطلاق ورشة استثمارية كبرى تجذب المستثمرين العرب والأجانب، وتموِّل إعادةَ الإعمار التي قُدِّرت تكلفتُها بنحو 100 مليار دولار. لكن مخاوفَ العراقيين لا تزال قائمةً من هدر هذه الأموال، مع العلم أن حكومة مصطفى الكاظمي السابقة حاولت تأسيس صندوق سيادي تودع فيه نسبة 3% من إيرادات النفط، تمهيداً لاستثمارها في الداخل والخارج، لكن هذا الصندوق لم ير النور بسبب الخلاف السياسي بين الأحزاب والكتل البرلمانية، والذي حال دون إقرار موازنة العام الحالي الذي اقترب من نهايته، بينما كان من المفروض قانوناً أن تكون الحكومة قد أنجزت موازنةَ العام المقبل، وأقرَّها البرلمانُ تمهيداً لتنفيذها في المهل القانونية المحددة لها.
وفي ضوء المؤشرات الإيجابية، يفترض أن يشهد العراق ارتياحاً مالياً، خصوصاً بعد تسوية الديون الداخلية البالغة نحو 50 مليار دولار بين البنك المركزي والبنوك التجارية الحكومية، كونها محصورة ضمن النظام المالي العراقي. أما الديون الخارجية، وتبلغ 66 مليار دولار، فهي ثلاثة أنواع: أولها ديون واجبة الدفع وتبلغ 20 مليار دولار، وتسدد حالياً بشكل سنوي منتظم حتى عام 2028. وثانيها ديون ميسّرة وطويلة الأجل تتعلق بمشاريع التنمية، وتقدر بنحو 6 مليارات دولار، وتستحق الدفع بعد 20 عاماً، وهي تخص وكالة التعاون الاقتصادي اليابانية وبعض صناديق دول الاتحاد الأوروبي. أما النوع الثالث والأخير من الديون العراقية الخارجية فهو ديون تبلغ قيمتها 40 مليار دولار، ويعتبرها العراقُ شبهَ معدومة، ولم يطالب بها الدائنون بموجب اتفاقية نادي باريس للعام 2004، وتخص 8 بلدان أقرضته أثناءَ حربه مع إيران، وتُعد بالأعراف الدولية من الديون «البغيضة»، لكونها موّلت الحربَ ولم تَخدم التنميةَ الاقتصاديةَ، لكنها ما زالت تظهر في الدفاتر الحسابية للبلدان الدائنة بانتظار شطبها.
وبما أنه لدى بنكه المركزي احتياطي يبلغ 90 مليار دولار، فقد لجأ العراقُ إلى توظيف جزء من فائض عائدات النفط في سندات الخزانة الأميركية، وقد تضاعفت اكتتاباته خلال 13 شهراً (من 18.9 مليار دولار في أغسطس 2021 إلى 36.9 مليار دولار في سبتمبر 2022)، وهو استثمار مضمون ومصنف تصنيفاً ائتمانياً عالياً، إضافة إلى أن تراكم الفائض المالي يحتّم إيداعَه في حساب للبنك المركزي لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، كما يقول نائب محافظ البنك المركزي العراقي عمار حمد.
لكن اللافت أن اليابان، وهي من أكبر المشترين للسندات الأميركية في العالم، وحصتها 1.2 تريليون دولار، بدأت تتحول من مشتر إلى بائع لهذه السندات التي وُصفت بأنها «في سوق تعاني من أسوأ سنواتها». وهناك مخاوف من أن يكون التوجه الياباني هو بداية لمبيعات من دول أخرى تواجه الظروف اليابانية نفسها، بخاصة دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا التي تدهورت عملاتها وتراجعت إلى مستويات متدنية مقابل الدولار.