يصدر في بغداد قريباً، وبالتزامن مع مناسبة "مئوية العراق الحديث" التى ستحل في 23 آب (اغسطس) 2021، كتاب "قراءة في تمثلات عمارة الحداثة بالعراق" لمؤلفه د. خالد السلطاني، وقد جاء الكتاب في 480 صفحة من القطع الكبير، وبغلاف سميك، وتمت طباعته في مطابع الاديب البغدادية. وهو كتاب بالالوان، وصوره العديدة في غالبها مصورة من قبل المؤلف، تسجل وتحلل منجز عمارة الحداثة منذ تأسيسها في العراق في مطلع العشرينيات ولغاية نهاية العقد السبعيني. والكتاب (الذي قام بتصميم اخراجه الفني المؤلف نفسه)، مهدى <الى المعماريين العراقيين الرواد، الذين اضافوا الى بيئتنا المبنية شواهد حداثية لافتة>؛ يتضمن ثلاثة فصول مع لمحات مختصرة من مشهد عمارة الحداثة في العراق، وكذلك فقرة تتناول باختصار وقائع المشهد المعماري العام خلال قرن من الزمان، وهناك قائمة بالمراجع التى اعتمدها المؤلف، اضافة الى ملحق باللغة الانكليزية تبين باختصار محتويات الكتاب ومضمونه. ادناه ما ورد في فقرة "ما قبل الخاتمة" من الكتاب:
<.. تبقى الحداثة المعمارية، مع حداثات ابداعية آخرى، تمثل الحدث الاهم في مسار مئوية الوطن التى نحتفي بمناسبتها هذا العام. فمن خلال ذلك الحدث، ابان العراقيون بكل اطيافهم ومعتقاداتهم اهتمامهم وتوقهم بالحداثة في كل تجلياتها، جاعلين منها قيمة مضافة الى ذخيرة الابداع الاقليمي والعالمي. في كتابنا هذا، المكرس للاحتفاء بمئوية العراق الحديث، سعينا وراء تقديم نماذج عديدة مشيدة في فترات زمنية مختلفة، ابتدعها المعماريون العراقيون وزملائهم العرب والاجانب وكذلك بعض المهندسين المدنيين وحتى الاسطوات والعمال المهرة، الذين اسهموا جميعهم في خلق وتكريس "بانوراما" الحداثة المعمارية في مدننا، وخصوصاً في بغداد، العاصمة التى اصبحت المركز الرائد والرئيس في ترسيخ قيم الحداثة وانتشارها في جميع مناطق العراق.
لقد حرصنا ان تكون صيغة ترتيب النصوص المنشورة في الكتاب، تتيح للقارئة الكريمة وللقارئ الكريم، امكانية خيار ومطالعة اي نص من نصوص الكتاب قد تثير اهتمامها واهتمامه في المقام الاول، من دون الالتزام حصراً بالتسلسل المقترح من نظام ترتيب الكتاب. ذلك لان كل نص منشور من مواضيع الكتاب، هو موضوع مستقل بذاته، وارتباطه بمواضيع الكتاب وحضوره هناك، فقط لانه ينتمي الى الحداثة، والى زمنها، ويكونّ احد تمثلاتها.
واذ وجدت القارئة او القارئ ثمة فائدة معرفية ومتعة مضافة بما هو مقدم له في نصوص هذا الكتاب، فأسكون انا، مؤلف الكتاب، في غاية الفرح والسرور ...والامتنان ايضاً؛ ذلك لان موضوعة العمارة العراقية الحداثية، هي من المواضيع الاثيرة لدي، وعملت الكثير، منذ ان كنت تدريسياً في قسم العمارة بجامعة بغداد، في اثارة الاهتمام بهذا المنجز المميز والثري في المنتج الابداعي للثقافة العراقية. وبدأنا مع طالباتي وطلابي في القسم مهام تسجيل ودراسة تلك الروائع التصميمة والى لفت الانظار اليها، هي التى اشتغل عليه كثر من مبدعي العراق ومعمارييه. لقد كانت محاولتنا تلك هي الاولى ضمن مفردات البرنامج التدريسي في القسم المعماري، الذي عدّ بكونه أول مدرسة معمارية عراقية. وما انفكيت اشعر، شخصيا، بنوع من الفخر والاعتزاز عندما بادرت بتقديم مقترح لتضمين درس "نظرية العمارة" (الذي كنت القيه لسنوات عديدة بالقسم)، بمفردات تدريسية خاصة تتناول مسار العمارة العراقية الحديثة ونماذجها التصميميةاللامعة، مرسياً بذلك "ارضية" اكاديمية خصبة، ستنبت عليها، فيما بعد، شتى الاهتمامات والدراسات التى تعاطت مع هذا الشأن المعرفي والمهني المميز على حدِ سواء. ولاحقا بعد اقرار تلك المقترحات واعتبارها جزءا من متطلبات المنهاج التدريسي لتلك المادة، اصبحت مواضيعها ، كيانا خاصا، باسم "العمارة العراقية الحديثة".
لقد سعيت، وبالاشتراك مع طلابي، وراء اقامة ندوات وتنظيم حلقات دراسية في "البيت الاكاديمي"، تتناول هذة الثيمة الابداعية التى لاقت اهتماما مهنيا واسعا واعتبرت احداث اكاديمية لافتة، إن لناحية جدة المواضيع المثارة، او لجهة نوعية المشاركين فيها. ولعل مجرد ذكر <ندوة عمارة الخمسينات>، والحلقة الدراسية فيما يخص <عمارة الثلاثينات>، التى نظمناهما بالقسم في بداية الثمانينات وفي التسعينات، والاهتمام الواسع اللتين حظيتا بهما من لدن كثر من المعماريين (ولاسيما الرواد منهم) والمهتمين بالشأن المعماري العراقي، يدلل بوضوح الى تلك الرعاية والانتباه الجديدين لموضوعة العمارة العراقية الحديثة وامثلتها التصميمية سواء المنفذة منها او غير المنفذة.
وينتابني شعورا خاصا زاخرا بالفرح والابتهاج، عندما ارى، اليوم، كثرا من طلابي السابقين والباحثين الآخرين، وهم يولون اهتماما كبيرا بمنجز عمارة الحداثة في العراق، مثرين تلك الموضوعة المعرفية الهامة بدراسات وابحاث اكاديمية رصينة، وموسعين دائرة الاهتمام بهذا المنجز المهني الرائع، الذي ظل لعقود عديدة في دائرة النسيان.
وكلمة اخيرة، فان ما طمحت اليه من تقديم مادة معرفية في هذا الكتاب، والتى اراها مهمة بقدر ما هي مفيدة من وجهة نظري، وما سعيت من جهد وراء لفت الانظار الى موضوعة عمارة الحداثة في العراق، ما هو الا دين شخصي اكنه تجاه اولئك المعماريين العراقيين الرواد، الذين اسسوا، بعزم ومعرفة، هذا الصنيع الابداعي، الذي ندعوه "عمارة الحداثة في العراق">.