انكب كتاب على تصوير شخصية الطاغية والديكتاتور في أكثر من منطقة من العالم محاولين استنباط الدوافع النفسية والاجتماعية التي دفعته إلى ذلك السلوك المتفرد والباطش وإلى تضخيم "الأنا" بحيث يصبح عدم الخضوع لها كسرًا لهيبة الدولة.
إيلاف: شهد القرن العشرين ظهور العديد من الحكام الطغاة الذين تركوا أثرهم في مسار التاريخ والشعوب في مناطق عديدة من العالم.
ويعتقد كثير من الباحثين أن وجودهم جاء نتيجة لاجتماع عوامل معينة هي شخصية الديكتاتور الفريدة والمتميزة وظروف سياسية واجتماعية محلية وإقليمية وعالمية محيطة خاصة.
تلميع صورة
من الملاحظ أن صفات مشتركة تجمع بين هؤلاء الطغاة أو الحكام الديكتاتوريين، فهم دائمًا ذكور يستمرون في الحكم لفترة تزيد على الفترة التي يمضيها أي ديمقراطي على كرسي الحكم، وقد تطول إلى ثلاثين أو أربعين عامًا. وعادة ما ينتهي الديكتاتور إما بوفاة أو نتيجة عملية انقلابية. أما أن يتمتع بالتقاعد وأن يقضي زمنًا هادئًا مع أسرته فتلك قضية غير مطروحة بالمرة.
ما يميّز الحاكم الطاغية أيضًا، سواء أكان يمينيًا أم يساريًا، فهو أنه ينظم حملات اعتقال وقتل جمعية وأعمال قمع وتعذيب منهجية ومحاكمات شكلية واعتباطية، وعادة ما تكون لديه سجون عديدة وأجهزة شرطة سرية، تتحرك وفقًا لأوامره. وعادة ما تعرض شخصية الديكتاتور على أنها مهمة وفذة للغاية، ويتم تفسير كل ممارساته بأنها من أجل الدفاع عن الدولة. ومن المتعارف عليه أن يتحدث نظام استبدادي عن ضحاياه باعتبارهم "أشياء" لا أهمية لها، ويمكن الاستغناء عنها تمامًا.
الأدب والطاغية
تطرق العديد من الكتاب والأدباء إلى شخصية الطاغية، وصدرت أعمال تحوّلت إلى علامات فاصلة في تاريخ الأدب. فمن منّا لا يعرف مثلًا رواية "1984" لجورج أورويل الصادرة في عام 1948، ومن لا يتذكر قراءة رواية خريف البطريرك الصادرة في عام 1975 لغابرييل غارسيا ماركيز، التي تعتبر واحدة من أهم ما كتب عن شخصية الديكتاتور، وهي قصة معقدة للغاية، يصوّر فيها ماركيز شخصية رجل جاهل لا يعرف من هو أبوه، ويحكم بلدًا لمدة قرن كامل.
نجح ماركيز في جعل القارئ يشتم رائحة الديكتاتور، بل ويلمسه بيده، من خلال اللغة التي استخدمها في وصفه، علمًا أن الكاتب عرف باحتقاره النقاط وحبه استخدام الفوارز. تصف الرواية ما ارتكبه الديكتاتور طوال فترة حكمه من جرائم إبادة وقتل جموع من البشر بطرق مبتدعة، لا تخطر على بال أحد، وقد تمكن بفضل جرائمه من الاستمرار في الحكم طوال كل تلك المدة.
مسار الحقيقة المتحرك
رواية حديثة عن الموضوع نفسه صدرت أخيرًا، تحمل اسم "حديقة الحيوان" The Zoo للكاتب والصحافي كرستوفر ولسون (12.99 جنيهًا إسترلينيًا، 240 صفحة منشورات فايبر أند فايبر) تدور أحداثها في جمهوريات الإتحاد السوفيتي في عام 1953، وكانت تلك فترة ملائمة لتغيير الواقع والأحداث وإعادة كتابة التاريخ كل يوم.
يظهر الكاتب أن الحقيقة لا يمكن أن تكون مجرد حقيقة ثابتة، بل هي في حالة حركة أبدية. أما الناس والشعب فليست لهم أي قيمة تزيد على قيمة الذباب، فيما تنتشر وتتكرر حوادث الاختفاء القسري.
بعض المفقودين اختفوا تمامًا حتى من السجلات الرسمية، ومحيت أسماؤهم وصورهم. وليس في البلد غير صحيفتين فقط هما "الحقيقة" و"الأخبار"، مع ذلك، وكما يقول البعض، فـ "الحقيقة ليست خبرًا ولا حقيقة في الأخبار". أما القائد العظيم أو الرجل الحديدي الفذ فهو حامي سعادة البشر ومهندس الفرح وبوصلة الكون المعنوية، حسب وصف الكاتب.
أنا كلاوديوس
رواية أخرى تطرقت إلى شخصية الطاغية هي أنا كلاوديوس I, Claudius لروبرت جريفز الصادرة في عام 1934. (13.46$، منشورات بينغوان، 387 صفحة) وكلاوديوس هو امبراطور روماني، كان يعاني من مظاهر إعاقة عديدة، منها أنه يعرج ويتأتئ ولا يسمع إلا بأذن واحدة، وتعتبره أسرته أحمقًا، وهو ما ساعده على البقاء خارج حلبة الصراع على السلطة بين أقاربه الذين يقتل أحدهم الآخر.
استخدم الكاتب في الرواية لغة "الأنا" باسم كلاوديوس، وعرض فيها تاريخ الإمبراطورية في تلك الفترة، فوصف مثلًا مقتل يوليوس قيصر، ثم اغتيال كاليغولا، ثم تسلم كلاوديوس نفسه السلطة. ويصف الكاتب كيف أعلن الطاغية المجنون كاليغولا نفسه إلهًا، وجعل من حصانه سيناتورًا، ومارس الفاحشة مع شقيقاته الثلاث، ورمى أعداءه طعامًا للأسود. ويتفق نقاد على أن هذه الرواية واحدة من بين أفضل 100 كتاب صدر في القرن العشرين.
محسن كبير
"نحن" WE ليفغيني زامياتين، (منشورات بانتام، 256 صفحة، 25.66$) وقد كتبت في عشرينات القرن الماضي، ولكنها لم تنشر على الإطلاق داخل الإتحاد السوفيتي.
نكتشف في الرواية خيبة أمل الكاتب بعد نجاح الثورة البلشفية في روسيا، حيث تظهر علامات مستقبل البلد المتجه إلى الخضوع لحكم شمولي.
تتحدث الرواية عن قائد يحمل اسم "المحسن الكبير" يحكم دولة تراقب مواطنيها بشكل كامل، حتى إن جدران منازلهم من زجاج وهم يقيمون داخل قبة زجاجية ضخمة تعزلهم عن كل الخارج. أما الأطعمة التي يتناولونها فهي مركبة كيميائيًا. في الرواية، الحرية تعني "دولة بدائية غير منظمة" لا تلائم السعادة والبهجة. أما المواطنون فمجرد أرقام، لكل منهم مسار محدد ومنهج خاص وتفاصيل حياة محددة مسبقًا.
لا... ليس هنا
"لا يمكن أن يحدث هنا" It Can't Happen Here للكاتب الأميركي سنكلير لويس، نشرت في عام 1935، وتتحدث عن شخص يأتي من خارج الطبقة السياسية، وهو شعبوي وديماغوجي، يتم انتخابه رئيسًا للولايات المتحدة، بعد أن يعد بتصحيح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتمسك بالقيم التقليدية، وتشجيع الحس الوطني، ومنح العمال حقوقهم كاملة، ثم يعد أيضًا بحل مشكلة مع المكسيك.
لكنه ما أن يتسلم السلطة، حتى يبدأ بمحاربة الصحافة الليبرالية، ويفرض ما أشبه بالحكم الشمولي، وينشئ ميليشيا تعمل لمواجهة المعارضين، الذين سرعان ما يلقيهم في السجون، ثم يجتاح مكسيكو عسكريًا. ومن المعتقد أن الكاتب اعتمد في هذه الرواية على شخصية حاكم لويزيانا في ذلك الوقت هوي لونغ، الذي رشح نفسه للرئاسة، ولكنه اغتيل في عام 1935. كما تأثر الكاتب بالأفكار الفاشية والنازية، التي كانت في طريقها إلى البروز على الساحة الأوروبية.
السلطة تديم نفسها
يعتقد بروس بوينو دي مسكيتا وألستر سميث أن هدف السلطة هو دوام الحفاظ على السلطة، ولكنهما يؤكدان كما جاء في مؤلفهما "دليل الديكتاتور The Dictator’s Handbook" الصادر في عام 2011 أن الديكتاتور لا يحكم وحده، بل يحتاج حشدًا من المؤيدين والمناصرين، الذين يطالبون بمكافآت ومدفوعات في المقابل.
وهما يريان أنه كلما كان عدد هؤلاء أكبر، زادت قوة النظام، وقويت بناه التحتية. الكاتبان أمضيا ثمانية عشر عامًا في دراسة عقلية الديكتاتورية ونفسية صناعها، وتوصلا إلى أن الاستقرار أكبر عندما يكون النظام تحت سلطة ديكتاتور، وذلك لسبب بسيط، وهو أن حشودًا مستفيدة تحيط بالنظام، وتحتاجه، ولكن نجاح هذا النظام يعتمد بالنتيجة على تقليل عدد الأشخاص المهمين داخله، مع زيادة عدد غير المهمين، بغية استبدالهم وتغييرهم بكل سهولة، حسب الضرورة.
في كل مكان
لا يوجد طاغية واحد على رأس نظام ديكتاتوري، بل هناك طغاة منتشرون في كل مكان، وعلى مستوى وطني، وداخل كل طبقة وكل شريحة من أعلى هرم المجتمع إلى أسفله، هذا ما أرادت الكاتبة الأميركية أليس وولكر قوله في كتابها "اللون أرجواني" The Color Purple الصادر في عام 1982.
هؤلاء الطغاة هم أرباب العمل ومدراء الشركات والمعلمون والقسيسون والآباء والأشقاء والأزواج. ويروي الكتاب قصة حياة فتاة سيئة الحظ تدعى سيلي، وهي أميركية أفريقية تعيش في ولاية جورجيا الزراعية في جنوب الولايات المتحدة في فترة ثلاثينات القرن الماضي.
تعجّ الرواية بمشاهد عنف قاسية يمارسها أشخاص يحيطون بالفتاة سيلي، حتى إن الكتاب ظل محط جدل واسع، ولسنوات عديدة، بسبب هذه المشاهد، علمًا أن الكاتبة حازت جائزة بوليتزر في عام 1983، ثم ما لبثت الرواية أن تحوّلت إلى فيلم سينمائي في عام 1985.
عادي
لا شيء للحسد: حياة عادية في كوريا الشمالية Nothing to Envy: Ordinary Lives in North Korea للصحافية بربارة ديمنك، تابعت تفاصيل حياة بلد كامل خرج عن سرب العالم ليغلق على نفسه داخل صومعة من خلال أحداث حياة ستة أشخاص تمكنوا من الهرب من بلدهم إلى كوريا الجنوبية.
تروي الكاتبة تجارب هؤلاء مع وحشية النظام وقسوته ومآسي أطفال بلا مأوى ومعسكرات العمل القسري وحالات المجاعة والتلقين الإجباري، الذي يبدأ من المهد، ولا ينتهي إلا في اللحد. ومع ذلك لا يجد هؤلاء الفارّون لا سلامًا ولا راحة بعد هربهم، وذلك لأن فعلتهم هذه حكمت على أسرهم وأقاربهم بأن تنصب عليهم غضبات نظام لا أشرس منه. صدرت الرواية في عام 2009 وتعمل الصحافية كاتبة الرواية في لوس أنجلس تايمز، وقد حازت جوائز عدة عنها.
جذاب وغادر
من الكتب المهمة الأخرى "ستالين: بلاط القيصر الأحمر"Stalin: The Court of the Red Tsar للكاتب سايمون سيباغ مونتيفيوري الصادر في عام 2003، ويعتبر واحدًا من أهم كتب سير حياة طغاة القرن العشرين، حيث اعتمد الكاتب فيه على معلومات دقيقة أخذها من مصادر معتمدة، ورسم فيها صورة ستالين رجلًا إنتهازيًا، وصاحب شخصية جذابة وغدارًا يوجه طعناته من الخلف وعاشقًا لموزارت وقاتلًا لمجاميع بشرية مجهولة الأسماء وقارئًا نهمًا وشاعرًا مرهف الحس ومحبًا للثقافة والسينما والطبيعة.
هذا الرجل جوّع الشعب في أوكرانيا وفي كازاخستان، وخلق رعبًا عظيمًا في النفوس، وأنشأ شبكة واسعة من معسكرات العمل القسري، ولكنه قال في أحد الأيام بكل فخر: "البهجة من أهم ملامح الإتحاد السوفيتي". وهو القائل أيضًا: "تعتبر حالة وفاة واحدة حادثة تراجيدية. أما مليون حالة وفاة فهي إحصائية".
التابع
هذه دراسة صدرت في عام 1950 شارك فيها كل من ثيودور دبليو آدورنو وإيلسه فرينكل برونسويك ودانييل ليفنسون ونيفيت سانفورد، وتحمل عنوان "الشخصية المستبدة" The Authoritarian Personality.
ويعتبر المؤلفون أن الشخصية المتسلطة تأتي نتيجة "أنا" ضعيفة غير قادرة على مواكبة العالم، ما يؤدي إلى خلق صراع يدفعها إلى إيجاد وسائل لفرض رأيها بالقوة ومن خلال السلطة.
لكن الباحثين ينظرون أيضًا في تفاصيل شخصيات الشرائح المطيعة، والتي تحتمي بشكل أو بآخر بالطغيان. الطاغية يحتاج شريحة مطيعة أدنى منه، وتخضع للشريحة التي تقف فوقها وتطيعها من دون أدنى مساءلة أو إصغاء إلى حوارات الضمير الداخلية، ولكنها تحتقر أيضًا الشريحة الأدنى منها. صدر هذا الكتاب بعد الحرب العالمية الثانية، وحاول أن يشرح ظاهرة النازية والفاشية، وركز على نفسية التابع للطاغية.
عن الطغيان
يرد كتاب "عن الطغيان: عشرون درسًا من القرن العشرين" On Tyranny: Twenty Lessons from the Twentieth Century لتيموثي سنايدر ضمن أهم الكتب التي تناولت موضوعة الطغيان والاستبداد من خلال التجارب التي مر بها القرن العشرون.
صدر الكتاب في عام 2017، ونظر فيه الباحث والمؤرخ المعروف في الكيفية التي تحوّلت بها ديمقراطية أوروبا إلى فاشية ونظام تسلطي.
ويعتقد سنايدر أن الأميركيين ليسوا أعقل من الأوروبيين، الذين شهدوا ديمقراطيتهم، وهي تتحول إلى فاشية ونازية وشيوعية. ويضيف "ميزتنا الوحيدة الإضافية هي أن بإمكاننا التعلم من تجربتهم". هذا الكتاب يدعو إلى مقاومة أي توجه محتمل نحو تجاوز الديمقراطية ومبادئها وإلى إنقاذ مستقبل أجيال مقبلة من مخاطر تسلط محتمل.
أعدت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف نقلًا عن «الغارديان». المادة الأصلية منشورة على الرابط:
https://www.theguardian.com/books/booksblog/2017/aug/23/top-10-books-about-tyrants-christopher-wilson