مراكش: مرت أمسية تكريم ذكرى المخرج الإيراني الراحل عباس كياروستامي، أمس، في ثاني أيام المهرجان، في أجواء مؤثرة، جمعت قصائد الشعر بحديث السينما، في حضور نجله أحمد كياروستامي ، الذي شكر مؤسسة المهرجان على وفائها لذكرى والده، كما قرأ شعراً من إبداع هذا الرجل، الذي قال عنه المخرج الأميركي الكبير مارتن سكورسيزي: "يمثل كياروستامي أعلى درجات السينما".
طعم الكرز
جانب من أمسية تكريم ذكرى عباس كياروستامي بمهرجان مراكش، في حضور نجله أحمد كياروستامي |
ربط كياروستامي، الذي وافته المنية في الرابع من يوليو الماضي، عن سن السادسة والسبعين، علاقة ود واحترام مع مهرجان مراكش، حيث سبق أن ترأس لجنة تحكيم دورته التاسعة، كما شارك في "ماستر كلاس" دورة السنة الماضية.
وترك المخرج الراحل رصيداً مهماً من الأفلام، التي أكدت قيمته على الساحة الفنية العالمية، بينها "طعم الكرز" (1996) و"خذني الى البيت" (2016)، كما عرف بنظم الشعر، حيث أصدر ديواناً في 2002، تحت عنوان "المشي مع الرياح".
بساطة رائعة
المخرج الإيراني الراحل عباس كياروستامي في حديقة فندق "المامونية" بمراكش (ديسمبر 2015) |
كتب المخرج دومينيك مارشي، في 5 يوليو الماضي، أي يومًا بعد رحيل هذا المخرج الكبير: "إذا كان كياروستامي واحداً من الواقعيين الجدد، فإنه في علاقته بالمعرفة، وفي إتقانه لفن الإخراج السينمائي، لم يسطر بوضوح الحدود الفاصلة بين الروائي والوثائقي. فقد وقع على أفلام وثائقية وأخرى يمكن أن نطلق عليها روائية تخييلية، لكنه ظل بعيداً عن سينما الحقيقة وعن نوبات الخيال، فتبنى في أفلامه فصاحة بالغة ليبطل كل منهما الآخر، مشكِّلا بذلك، بمنتهى الذكاء وببساطة رائعة، أفلاماً هي في ذات الآن أدوات للتشكيك. أفلامٌ بمثابة الكمين، نعشق الحديث عنها بلا نهاية لنعبر عن تلك العلاقة المتوترة بين الإيمان والإلحاد، والتي يجرنا الفنان للغوص فيها. أفلامٌ تجعلنا نشعر بالارتجاف والذهول بأسلوبها الذي يحبس الأنفاس ويكبح تعاطفنا ورغبتنا في أن نؤمن بها عندما نكتشف مسار تصنيعها. لكن لماذا نتحدث عن هذا الأمر في الماضي؟ فسواء كنا نرغب في تصوير أشخاص يتحدثون في ما بينهم، أو مشاهدَ من داخل سيارة، أو كنا نفكر في كيفية عزل أحد الشخوص داخل مجموعة، أو نصور أشجارًا أو مسارَ طفل صغير تائه في الطبيعة، فإننا نجد كياروستامي دائم الحضور؛ نفكر فيه، في ما فعله، في قصائده عن المثابرة التي هي في نهاية المطاف أفضل تعبير عن أفلامه".
مؤلف عظيم
|
من جهته، كتب الناقد السينمائي والإعلامي الفرنسي ديديي بيرون، عن كياروستامي: "هو مؤلف عظيم، باعتراف الجميع .. استطاع بسلسلة أفلام بميزانيات صغيرة، لكنها قمة في الروعة، أن يضع نموذجًا جديدًا لم يسبقه له غيره ... يختبئ دائما خلف نظاراته الواقية من الضوء، حذرٌ دائما في طريقة كلامه، طوعي ملتوٍ كما سينماه، يسلك مساراً طويلاً من خلال التعبير المجازي أو المقارنة الشعرية حين يتظاهر بالتهرب من مشكلة ما أو لا يوافق على موضوع معين ... يؤثر كياروستامي دائمًا في المتلقي بمشهد واحد فقط، أو بإشارة، بنقاوة لا توصف تنطوي كذلك على قوة الإلهام. نستوعب الكثير من الأشياء حتى وإن كان من الصعب الحديث أحيانا، نشعر أن بيداغوجيا داخلية بكل مكوناتها قد أنجبت عالَما أكثر صدقاً، أكثر غنى، وأكثر إزعاجاً. سنوات بعد ذلك، ما زلنا نشعر أننا نرضخ للمتعة وللدموع".