: آخر تحديث

فان كوخ محرّكا لعاصفة!

237
247
241

مات فان كوخ (1853-1890) وهو يهذي مجنونا، ومن دون أن تحظى أعماله بالإهتمام اللاّئق بها. لكن في مطلع القرن العشرين، أدركته الشهرة ليصبح أعد اعظم أعلام الفن الحديث، ومن أشدهم تأثيرا في هذا المجال. وهو دائم الحضورفي جميع أنحاء العالم. ولوحاته التي رسم فيها حقول الخزامى في هولندا، وهضاب الجنوب الفرنسي، وحقول القمح في الريف، وأشجار الزيتون والسّرو، وأزهار عبّاد الشمس، تباع بأثمان خيالية! وفي أمستردام، صدرت قبل سنوات قليلة المجلّدات الستة التي تتضمّن مراسلاته. و في عام 2014، قام المخرج الفرنسي فرانسوا بارتران بإنجاز فيلم حمل عنوان :”أنا فان كوخ". وفي ألمانيا، أصدر جامعيّان هما هانس كوفمان، وريتا فايلد غانس كتابا زعما فيه أن بول غوغان هو الذي قطع أذن فان كوخ. وقد أثار هذا الزعم سخرية الكثيرين من العارفين بخفايا حياة الفنان الهولندي غريب الأطوار. فمن المؤكد أن فان كوخ هو الذي قام بقطع أذنه، ثمّ اهداها لبغيّ في مدينة "آرل" الفرنسيّة. وهذا ما تعكسه اللوحة التي رسم فيها نفسه وهو مقطوع الأذن. وكان ذلك عام 1889،أي قبل وفاته يسنة واحدة.
وكان فان كوخ في الثامنة والعشرين من عمره لمّا تعرّف على رسّام هولنديّ يدعى فان رابار. وقد كتب له رسائل كثيرة يحرضه فيها على نبذ المواضيع المدرسيّة،والمطروقة والمكرّرة، داعيا إيّاه الى التعمّق في الواقع اليومي، والتحليق بعيدا في عالم الخيال حيث النساء من لحم ودم، ولسن من المرمر، وحيث الثعابين تزحف في الحقول، وليست مجمّدة. وفي واحدة من هذه الرسائل،كتب فان كوخ بقول:”أريد أن أتلاشى في الطبيعة بدل الاهتمام بأثمان اللوحات الفنية". وفي نفس هذه الرسالة يضيف قائلا:”بطبيعة الحال، التجّار الأثرياء يتميّزون بالصراحة، والنزاهة، وبالأخلاق الحميدة.أما نحن، الكائنات المتسامحة، والساذجة، نحن الذين نرسم في الأرياف، وفي الشارع، وفي "الأتلييه"،وأحيانا في الصباح ،وأحيانا في الليل، وتحت الشمس الحارقة، وتحت الثلج والمطر، نحن لسنا كائنات ضعبفة، وهشّة، ولا نملك المهارة العمليّة، وتعوزنا اللياقة".
وذات يوم دعا فان كوخ بغيّا التقى بها في الشارع، وكانت مصحوبة بأبنيها، وقرّر أن يرسمها. وقد كتب عنها يقول:”هي -أي البغي-لا تمتلك أيّة خاصيّة خارقة. إنها إمرأة بسيطة من الشعب البسيط التي تجسّد بالنسبة لي شيئا في غاية الروعة. فالرجل الذي يحبّ إمرأة عادية للغاية، وهي تحبه أيضا، يجد نفسه سعيدا رغم الجانب المعتم في الحياة".وعندما يولد طفل أمامه، يشببه فان كوخ ب"شعاع ينزل من السماء". وكان دائم الحيرة والقلق. لذا كان يعتبر زمنه "زمنا مضطربا لا يستقرّ على حال". والشيء الذي كان يؤلمه أكثر من غيره هو أن الناس في عصره لم يكونوا يعيرون اهتماما للأشياء ذات القيمة العالية، بل كانوا يدوسون عليها بأقدامهم، وكأنها لا تساوي شيئا! ومثلما قال الشاعر الفرنسي أنتونان أرتو ،كان فان كوخ معاد للمجتمع الذي استفحلت فيه" الجريمة المنظمة”. وكان" المحرّك لعاصفة لا يمكن أن تتوقف أبدا". وأما الكاتب الفرنسي الآخر فيليب سولرز فقد كتب يقول:”لم يكن فان كوخ مجنونا ومنعدم الإنسانية، بل المجتمع بأسره كان كذلك”!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات