ليست كل الفيروسات كائنات دقيقة تختبئ تحت المجهر،
فبعضها يمشي على قدمين،
ويلبس بدلة أنيقة،
ويتقن الابتسام،
ويُتقن أكثرفنّ التسلل إلى الثقة دون أن يطرق الباب.
فهناك فيروساتٌ لا تسكن الجسد، بل تتسلل إلى الإنسان من بوابة الوعي
وهي فيروسات الحقد التي تتغذى على نجاح الآخرين،
وفيروسات الحسد التي تنبت في القلوب الضيقة،
وفيروسات التبرير التي تُقنع صاحبها بأن الخطأ صواب،
وفيروسات التقليد التي تمحو هوية صاحبها حتى يصبح نسخةً باهتة من غيره،
وكأن الإنسان يتحول تدريجيًا من ذاتٍ كاملة إلى صدى لا يعرف لمن ينتمي.
وهذه الفيروسات أخطر من تلك التي نخشاها في المستشفيات،
فهي لا ترفع الحرارة… بل تُقزّم قيمة الإنسان.
لا تُتلف الرئتين… بل تُخرّب البصيرة،
ولا تحتاج علاجًا دوائيًا، بل تحتاج وعيًا يقظًا لا يسقط في فخ المظاهر،
فكم من وجهٍ مبتسمٍ خبّأ خلفه سُمًّا لا يُرى،
وكم من كلمةٍ ناعمةٍ كانت أقسى من المرض نفسه.
فالبدلة الأنيقة لا تعني عقلًا نقيًا،
ولا الابتسامة اللامعة تعني قلبًا سليمًا،
فالنقاء لا يُباع،
والأخلاق لا تُستورد،
والضمير لا يُفصَّل حسب المقاس.
فبعض الوجوه المصقولة تخفي وراءها عدوى لا تُشفى بسهولة.
فاحذر من الفيروس الذي يبتسم،
ومن الكائن الذي يبدو لطيفًا أكثر من اللازم،
ومن الآراء التي تأتيك معطرة ومغلفة… لكنها فارغة وخطيرة.
فالمظاهر قد تلمع… لكنها لا تنقذك حين يظلمُ جوهرك.
وفي النهاية
تذكّر أن أخطر الفيروسات ليست تلك التي تُسقط الجسد،
بل تلك التي تُسقط المبدأ.
فلا تُصافح بريقًا بلا جوهر،
ولا تُسلّم وعيك لمن يرتدي قناع الاحترام.
فقد تُنقذ جسدك بالتعقيم…
لكن الوعي لا يحميه إلا يقظةٌ لا تنام.
والعقل الذي لا يحرس نفسه يصبح فريسة سهلة لأبسط خدعة.
فكن فطنًا… فليس كل ما يلمع حقيقة، ولا كل مبتسمٍ يستحق الثقة.

