: آخر تحديث

محمد بن سلمان... والوفاء لأهل السودان

3
3
3

يوماً بعد يوم، تتأكد استراتيجيات المملكة العربية السعودية في رسم خرائط القوة بمنطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من مفهوم جديد هو الأمن التنموي، وهو مفهوم يربط الأمن الوطني والإقليمي بمعايير التنمية المستدامة التي تقتضي بالضرورة رؤى جديدة في ربط ما يحدث في المملكة العربية السعودية من نهوض وتائر التنمية بمعايير ضبط الأمن في النطاق الإقليمي للمملكة. ولهذا تؤمن هذه المقاربة الجديدة في مفهوم الأمن التنموي بضرورة دعم استقرار دول المنطقة لضمان وتائر التنمية والتحديث وديمومتها داخل المملكة العربية السعودية.

في هذا الإطار ندرك سعي المملكة الحثيث لفرض قواعد الأمن والاستقرار في المنطقة العربية بعد أن شهدت هذه المنطقة اهتزازات في النظام الإقليمي العربي إثر ما سمي بأحداث الربيع العربي التي لعبت دوراً كبيراً في تقويض أمن العديد من الدول العربية وساهمت في تفكك مجتمعاتها مع ما يعنيه ذلك من مشكلات في المستقبل. ومن هنا يمكننا قراءة زيارة صاحب السمو الملكي الأمير محمد سلمان الأخيرة إلى الولايات المتحدة خلال الأسبوع الماضي بوصفها زيارة علقت عليها شعوب عربية في سوريا ولبنان والسودان وفلسطين واليمن آمالاً عريضة برجاء أن تحقق تلك الزيارة نجاحاً يفضي إلى انفراج بعض الانسدادات التي تتحكم في مصائر شعوب هذه المنطقة. إذ تعطي المملكة أولوياتها في دعم الاستقرار لكافة الدول العربية، وتعمل دبلوماسيتها النشطة وعلاقاتها الخارجية في سبيل هذه الغاية بكل ما تملك.

وفي الوقت نفسه تدرك المملكة العربية السعودية أن أولوية حلول أزمات الدول المجاورة لها هي في محل الصدارة من سعيها ذاك، لأن الأمر هنا يتصل بمفهوم الأمن الوطني لها، إلى جانب أمن الدول المجاورة لها. وفي هذا الصدد كان حرص صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وجهوده الحثيثة نحو وقف الحرب في السودان يعكس أهمية هذه الدولة الجارة للمملكة العربية السعودية عبر البحر، ومن ثم فإن إدراك خطورة انزلاق الحرب في السودان إلى منعطف اللاعودة كان في صلب التفكير الأمني الاستراتيجي للمملكة. السعوديون يعرفون الشعب السوداني أكثر من غيرهم، ولهذا الاستحقاق يمكن القول باطمئنان إن الرسالة التي وصلت من محمد بن سلمان إلى الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجدت قبولها في ذلك التعبير الذي عبر به رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب أمام العالم حين كشف عن مدى دهشته لمعرفة الأمير محمد بن سلمان بثقافة السودان وعراقته في الحضارة. وذلك في تقديرنا مدخل مهم لمعرفة السودان والتعريف به في أوساط صانعي القرار في الإدارة الأميركية. ولقد نجح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في رسالته إلى ترامب حول وقف الحرب هناك.

تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب بثقة وعزم جديدين حيال ما يمكن أن يعطي من أولوية مطلقة لمعالجة مشكلة الحرب في السودان بعد الرؤية الواضحة التي استلهمها من الأمير محمد بن سلمان، الأمر الذي سيعني بالضرورة انتقال ملف الحرب السودانية في الإدارة الأميركية من مجرد اهتمام في دائرة المستشارية (التي هي أقل من دائرة الوزارة) إلى دائرة الرئاسة الأميركية في أعلى مستويات هرمها السياسي، أي الاهتمام الخاص للرئيس دونالد ترامب والتزامه بقضية السودان عبر متابعته الشخصية لهذا الملف. ولعل من أهم مؤشرات نجاح مبادرة ترامب – بن سلمان أنها لقيت ترحيباً من كافة الأطراف المتحاربة في السودان، وهذا أمر مبشر بقدرة المبادرة على التأثير في أطراف الحرب، كما أن المبادرة لوقف الحرب في السودان لقيت ابتهاجاً كبيراً واحتفالاً واسعاً في أوساط السودانيين في الداخل والخارج.

وفي ظل تحريك ملفات المصالح الاقتصادية السعودية التي تربط التنمية بالأمن، سنجد أن الهدف الأساس من جهود دعم المملكة للاستقرار والأمن في دول المنطقة – وخصوصاً دول الجوار – ينطلق من حرص المملكة على توظيف المنافع الاقتصادية والاستثمارية من خلال صناعة مناخ للأمن والاستقرار. وفي ذلك نفع عام لكافة أطراف دول المنطقة. إن المملكة العربية السعودية، وفق استراتيجيتها الجديدة حيال مفهوم الأمن التنموي، تشق طريقاً جيوسياسياً هاماً في علاقاتها مع دول الجوار والإقليم. فالمشاريع العملاقة لمستهدفات رؤية المملكة 2030 هي مشاريع عابرة لحدودها في كثير من امتداداتها الجغرافية والأمنية، ما يعني أن تأمين المحيط الإقليمي للمملكة يصب في قلب مفهوم الأمن الوطني ذاته. والسودان بما يذخر به من طاقات وموارد وإمكانات في الثروات المائية والحيوانية والزراعية والمعدنية يعتبر الاستقرار فيه هدفاً حيوياً وجيوسياسياً للمملكة العربية السعودية التي يمكنها أن تضخ فيه استثمارات واعدة متى ما كان الأمن مستتباً والاستقرار راسخاً.

اليوم تشهد مبادرة ترامب – بن سلمان لوقف الحرب في السودان زخماً كبيراً. فبحسب قناة الشرق "ستستضيف العاصمة الأميركية واشنطن اجتماعاً عربياً أميركياً، الثلاثاء، بخصوص الحرب في السودان، بحضور كبير مستشاري الرئيس الأميركي للشؤون العربية والإفريقية مسعد بولس". وبحسب القناة فإن "التحرك الأميركي يهدف إلى وقف إطلاق النار لمدة 3 أشهر، يتزامن مع بدء إدخال المساعدات الإنسانية، ويسير بالتوازي مع مفاوضات للتوصل إلى حل سياسي". وبالتأكيد سيكون حراك المبادرة ضمن جهود الرباعية من أجل السودان والتي تضم الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية والإمارات ومصر. لقد نقل الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس الوزراء ملف السودان إلى دائرة جديدة من الاهتمام تحت إشراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وفي هذه الخطوة أكبر دليل على اهتمامه الحثيث بشأن السودان الشقيق. ولعل ما يعكس حرص الأمير محمد بن سلمان على ضرورة وقف الحرب هو أنه شرح للرئيس ترامب عن السودان ما لم يشرحه له أحد من قبل، وكان مدخل الأمير للحديث عن السودان هو شرح ثقافة وحضارة السودان للرئيس الأميركي دونالد ترامب بطريقة ذكية ومؤثرة على الأخير الذي أشاد بذلك الشرح وقرر على ضوئه العمل الجاد من أجل وقف الحرب في السودان.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.