في العشرين من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الحالي 2025، كنتُ في سلطنة عُمان الشقيقة باستضافة كريمة من وزارة الإعلام العُمانية وتشرّفت بحضور الاحتفالات الوطنية في العاصمة مسقط وعلى رأسها الاستعراض العسكري الكبير في ميدان الفتح الذي شمله برعايته السامية وحضوره صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظّم حفظه الله ورعاه. وكان جلالته قد أصدر أمره السامي الكريم في الذكرى الخامسة لتوليه مقاليد حكم السلطنة في الحادي عشر من يناير من العام الجاري 2025 بأن يكون اليوم الوطني العُماني هو يوم 20 تشرين الثاني (نوفمبر) من كل عام ليتزامن مع ذكرى تأسيس الدولة البوسعيدية على يد الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي (1694 – 1783) طيّب الله ثراه، جدّ السلاطين المتعاقبين من آل سعيد الكرام، وليصبح 20 تشرين الثاني (نوفمبر) 2025 إحياءً للذكرى الـ 281 لتأسيسها. والحقيقة هي لحظة تاريخية فارقة لسلطنة عريقة لم تكن أبدًا طارئة على التاريخ أو الجغرافيا، فقد كانت الإمبراطورية العُمانية ملءَ السمع والبصر منذ حقب التاريخ السحيقة، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على مناطق نفوذها في عهد السلطان المرحوم سعيد بن سلطان بن أحمد البوسعيدي (1791 – 1856) حيث البقعة الجغرافية الممتدة من بحيرات وسط أفريقيا غربًا حتى مشارف شبه القارة الهندية شرقًا، لذلك اشتهر العُمانيون في كتب التاريخ بـ(أسياد البحار) بالنظر لتاريخهم الطويل في الملاحة البحرية والتجارة عبر المحيطات.
وفي العصر الحديث يبرز العمل الثنائي المشترك بين المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان وما يجسده من عمق العلاقات والروابط المشتركة بين البلدين الشقيقين. وقد واكبتُ الكثير من أوجه هذا التعاون إبّان عملي السابق في صحيفة الرياض وتواصلي الدائم مع صاحب السمو السيد فيصل بن تركي بن محمود آل سعيد سفير السلطنة السابق لدى المملكة. وبقدر العمق التاريخي يبزغ الحاضر المزدهر في كل المجالات عبر الزيارات المتبادلة بين المسؤولين من كل المستويات وكذلك توقيع الاتفاقيات ومذكرات التفاهم وفق أعمال مجلس التنسيق السعودي العُماني وما نتج عنه من مخرجات كبيرة، منها على سبيل المثال: الطريق البرّي الذي يربط المملكة بالسلطنة. فهذا الطريق الذي تبلغ مسافته 564 كيلومترًا أعجوبة هندسية، وقد مرّت مراحل تنفيذه بتحديات كبيرة وسط تضاريس صعبة ومُناخ قاس في منطقة صحراوية كبيرة بحجم الربع الخالي. ومنذ افتتاحه في الحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 2021 كأول منفذ بري مباشر بين البلدين شكّل أهمية متزايدة لتسهيل حركة العبور بصورة مريحة لمستخدمي الطريق سواءً للسعوديين الذين يقصدون السلطنة، والعكس صحيح بالنسبة إلى العُمانيين خصوصاً قاصدي مكة المكرمة والمدينة المنورة بالإضافة إلى التجارة البينية. والشيء بالشيء يُذكر بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال النصف الأول من العام الحالي 2025 حوالي 1.2 مليار ريال عُماني بزيادة بلغت نسبتها 20 بالمئة عن نفس الفترة من العام الماضي 2024، وقد ارتفعت نسبة صادرات عُمان إلى السعودية 34 بالمئة لتصل إلى 538 مليون ريال عُماني من أبرزها: الآلات والمعدات الكهربائية والمعدنية، فيما ارتفعت نسبة واردات عُمان من السعودية 5 بالمئة لتصل إلى 617 مليون ريال عُماني من أبرزها: منتجات معدنية وصناعات كيماوية وأغذية.
إنَّ خصوصية العلاقات التاريخية الأزلية المتميزة والمشتركات الثقافية والاجتماعية التي تجمع المملكة والسلطنة لا يمكن اختصارها في سطور معدودة، وهما يسيطران جغرافيًا على المساحة الأكبر من شبه الجزيرة العربية بما تحتويه هذه المساحة الشاسعة من إرث إنساني وتنوع حضاري وموروث شعبي متنوع في الثقافة والفنون والمأكولات والملابس واللهجات. عسى أن يستمر هذا التواصل والتكامل بين البلدين الشقيقين تحت راية مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وسيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء وأخيهما صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد المعظّم، أدام الله ظلّهم وأسبغ عليهم لباس الصحة والعافية. وفي الختام أذكر بالشكر الجهود المبذولة لسعادة سفير سلطنة عُمان لدى المملكة السيد نجيب بن هلال البوسعيدي وسعادة سفير المملكة لدى السلطنة السفير إبراهيم بن سعد بن بيشان حيث التنسيق الدائم المثمر والمتقن.


