الشعور العميق بالألم والإحباط الذي يعاني منه النظام الإيراني من السياق الذي تسير عليه المفاوضات الجارية بينه وبين الولايات المتحدة ليس بجديد وطارئ عليه بل إنه استمرار لنفس ذلك الشعور الذي انتابه بعد سقوط نظام بشار الأسد وتلاشي القدرة العسكرية لحزب الله اللبناني.
محاولات النظام الإيراني تقوية موقفه التفاوضي أمام الولايات المتحدة والتي أخذت نمطاً واتجاهاً غير مألوف خلال الأعوام 2023 و2024، من خلال ترسيخ دوره ونفوذه في بلدان المنطقة ولاسيما وأن الرئيس الأميركي السابق كان يبدي نوعاً من الليونة والتساهل مع هذا النظام، كان على الأغلب مخططاً له ولكن لم يدر بخلد النظام من أن الطاولة ستنقلب على رأسه ومن أنه سيخرج من المولد بدون حمص ويصل به الحال إلى هكذا يوم يهدد فيه الولي الفقيه خامنئي بمواجهة المجتمع الدولي من أجل المحافظة على البرنامج النووي وتخصيب اليورانيوم داخل إيران.
بعد 5 جولات تفاوضية أحاطت بها سرية ملفتة للنظر، يبدو أن التأكيد الصريح للرئيس الأميركي دونالد ترامب على ضرورة منع إيران من تخصيب اليورانيوم، قد جاء ليثبت بأن جل ما كان يدور في تلك الجلسات هو سعي النظام الإيراني من أجل المحافظة على التخصيب داخل إيران والذي يبدو واضحاً باصطدامه برفض أميركي قاطع، ولأن النظام الذي يحاول إقناع واشنطن بطرق تمويهية تكاد أن تشبه من يفسر الماء بالماء، قد وصل إلى طريق مسدود لا يمكنه تخطيه ما لم يُلقِ بما في جعبته من أمور، ولأنه يجد ليس مجرد صعوبة وإنما خطورة كبيرة في ذلك، فقد كان لا بد من دخول خامنئي على الخط وإدلائه بخطابه المتعنت في يوم الثلاثاء 4 حزيران (يونيو) بمناسبة الذكرى السنوية لموت الخميني.
نظرة على تصريحات خامنئي الأخيرة
إن تصريحات خامنئي، التي تضمنت رفضه الصريح للمخطط الأميركي بوقف التخصيب بالكامل، تُشير إلى تدخله المباشر في موضوع المفاوضات النووية. هذا النهج لن يؤدي فقط إلى دفع المفاوضات الجارية مع الولايات المتحدة إلى طريق مسدود، بل سيُبرز أيضاً قرار خامنئي بالإبقاء على التخصيب بأي ثمن، مما يزيد من احتمالية إنهاء المفاوضات الأخرى. يمكن لهذا المأزق أن يمهد الطريق لتطورات لاحقة، بما في ذلك تصعيد التوترات الدولية وتفعيل آلية الزناد.
بطبيعة الحال، يرى بعض الخبراء أن تصريحات خامنئي التي ألقاها على قبر الخميني لا ينبغي اعتبارها الموقف النهائي للنظام الإيراني بشأن المفاوضات. فقد أثبتت التجارب السابقة أن خامنئي يتبع خطاباً مزدوجاً، علناً وخفيةً، مراراً وتكراراً. على سبيل المثال، بتاريخ 7 شباط (فبراير) 2025، بينما كانت الدبلوماسية التابعة للنظام منهمكة في التحضير للمفاوضات النووية مع الولايات المتحدة، صرح خامنئي في خطاب علني أن التفاوض مع أميركا "غير عقلاني، وغير ذكي، وغير شريف".
بهذا، فإن تصريحات خامنئي بتاريخ 4 حزيران (يونيو) ستدخل الملف النووي للنظام مرة أخرى في تحديات وتصعيدات مع الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.
الخطاب المذكور جاء بعد حالة من اليأس والإحباط الشديدين داخل أوساط النظام وهبوط المعنويات بصورة غير عادية ولاسيما بعد أن صار واضحاً بأن المفاوضات التي يخوضها النظام أمام واشنطن ليست مفاوضات ندية كما يريد النظام أن يصورها، وإن الذي لم يعد سراً هو أن النظام ومن يتوسط له، يتوسلون من إدارة ترامب إظهار شيء من المرونة والتساهل من أجل المحافظة على ماء وجه النظام، ولذلك فقد حاول خامنئي تدارك هذه الحالة السلبية وتغييرها لصالح النظام، ولكن الخطاب لم يرسم طريقاً عملياً للرفض مثلما لم يضع الأسس لأي مواجهة محتملة، بل غلب على الخطاب طابعاً من الحماس والانفعال ولو كان خامنئي جاداً في موقفه الرافض والمتسم بطابع المواجهة مع الولايات المتحدة، فقد كان إعلان الانسحاب من المفاوضات الجارية سيكون دليل إثبات على ذلك، ولكن يعلم خامنئي جيداً بأنه لا يمتلك تلك الجرأة والإمكانية لاتخاذ هكذا قرار وحتى إن خطابه هذا في النتيجة النهائية ليس إلا مجرد زوبعة في فنجان.
النظام الإيراني عند مفترق طرق: الانتحار أو الموت؟
وفي ظل هذا الوضع المتأزم، على مدى 34 عاماً، لم تسمح المقاومة الإيرانية، من خلال كشفها المتواصل لمواقع ومشاريع النظام النووية، للدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران بمفاجأة العالم بحيازة القنبلة الذرية. في عام 2002، كشفت المقاومة الإيرانية عن موقعي نطنز وأراك السريين. وبعد هذا الكشف، أُجبر خامنئي على القبول بتعليق تخصيب اليورانيوم وإغلاق المواقع النووية لفترة من الزمن. من هنا، يجب على العالم أن يكون يقظاً ويمنع خداع الملالي المتكرر بسياسة حازمة.
في الوقت الراهن، وضع المشروع النووي هذا النظام عند مفترق طرق: الانتحار أو الموت. أحد المسارين هو أن يتخلى خامنئي عن هذا المشروع المناهض للمصالح الوطنية ويتوقف عن التخصيب، وهو المسار الذي ابتعد عنه حتى الآن؛ لأنه ربط وجود النظام ككل بهذا المشروع. أي خطوة يتخذها في نفي هذا المشروع، ستنفي هيمنة خامنئي على شؤون البلاد وتدفع بالنظام برمته بسرعة نحو هاوية السقوط.
المسار الآخر هو مواصلة السعي لامتلاك القنبلة الذرية. إصرار النظام على توسيع برامجه الصاروخية وصنع القنابل الذرية، ومواصلة إرهاب الدولة الذي اكتُشفت أحدث عملياته مؤخراً في بريطانيا، يندرج ضمن هذا المسار.
أعلنت وكالات الأنباء مؤخراً أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذكرت في تقريرها الجديد أن احتياطيات النظام من اليورانيوم المخصب بلغت حوالي 10 أطنان. والأهم من ذلك أنها كشفت أن النظام نقل مواد نووية ومعدات ملوثة نووياً إلى مكان مجهول.
هذه هي طبيعة النظام الذي يدعم الهجمات الصاروخية على خطوط الشحن الدولية في البحر الأحمر، ويلجأ بشكل متزايد وواسع النطاق إلى الإعدام والتعذيب داخل إيران للتغطية على أزمته ومأزق مشروعه النووي.
لهذا السبب، أعلنت المقاومة الإيرانية مراراً أن استراتيجية نظام الملالي هذه قد وصلت إلى طريق مسدود. ومما لا شك فيه أن مصير استراتيجية النظام الذي يعتمد خامنئي على عرش سلطته هو الانتفاضة الشعبية والسقوط.