: آخر تحديث

سيف ترامب

2
2
2

 

من الأكثر صدقاً بين ترامب وخامنئي من حيث ما يطلقان من التصريحات المشرئبة بالتهديد والوعيد؟ هل هو ترامب الذي يهدد بتصفير تخصيب اليورانيوم أم خامنئي الذي يصر على التمسك بالتخصيب؟ لكن الأفضل لو أعدنا صياغة السؤال بحيث نتساءل: هل إن تهديد ترامب جدي حقاً وسوف يقوم بتفعيله عسكرياً؟ وهل إن خامنئي في مستوى الرفض الذي يصفع به ترامب؟

تأريخ العلاقات المتوترة السائدة بين الولايات المتحدة وإيران ولاية الفقيه فريد من نوعه، لكنه في نفس الوقت يمتلك خصوصية تجعله يختلف مثلاً عن التأريخ المشابه بين الولايات المتحدة وبين كوبا الشيوعية، إذ إن الذي جرى بين واشنطن وطهران منذ 11 شباط (فبراير) 1979، وبالرغم من الأحداث والتطورات المختلفة والشعارات العقائدية المضادة لأميركا، بقي هناك خيط رفيع يربط بين الطرفين وكلاهما يحرصان على عدم قطعه.

إيران، وبعد الحربين العالميتين وما نجم واستجد بسببهما، بقيت محسوبة على الغرب، ومع كل ما قام به النظام الديني من علاقات اقتصادية وعسكرية مع روسيا والصين، فإنها بقيت بصورة أو أخرى تدور في الفلك الغربي وتحرص على العلاقات معه ولم تسِر باتجاه القطيعة الكاملة، فذلك تحول جيوسياسي سيثير الغرب أكثر مما قد تخال إيران وملاليها، وهذا هو سبب إبقاء الغرب على شعرة معاوية بينه وبين إيران.

لكن السؤال المهم الذي يجب طرحه بهذا السياق: لماذا تركيز الغرب على البرنامج النووي الإيراني أكثر مما هو على تدخلاته في المنطقة أو على ممارساته القمعية ضد الشعب الإيراني والتي تسببت بصدور 70 قرار إدانة دولية ضده في مجال انتهاكات حقوق الإنسان؟ البراغماتية الغربية هنا تكشف عن وجهها القبيح، فهم يرون إن امتلاك إيران عقائدية بفكر متطرف للسلاح النووي، سيجعل منها تمد قدمها أكثر من الوقت الحالي، وحتى من الممكن سعيها الخروج من الشرنقة الحالية التي تتواجد في داخلها، وهذا ما لا يرغبون به ويعارضونه بشدة.

بيد إننا يجب هنا أن نلفت النظر إلى إن لا روسيا ولا الصين أيضاً ترغبان بإيران نووية تريد اللعب خارج المساحات المحددة لها، ولا تريدان أيضاً الذهاب في علاقاتها أبعد مما يثير الغرب ويدعو للمواجهة معه، ولا سيما من المهم هنا أن نذكر بأن إيران تمتلك إمكانيات هائلة لو تم استغلالها كما فعلت النمور الآسيوية مثلاً، فإنها ستتخطى هذه النمور، وفي هذا الكلام معنى عميق يدركه الغرب جيداً.

ونعود للخلاف القائم بين طهران المعممة وبين الغرب عموماً وواشنطن خصوصاً، ونتساءل: هل هناك مواجهة تلوح في الأفق؟ وهل إن الغرب يفكر من حيث تعامله مع إيران الملالي كما فكر في تعامله مع عراق صدام حسين وليبيا معمر القذافي؟ بالتأكيد كلا. أما لماذا؟ لأن العمامات الحاكمة في طهران تعلم الحد والمستوى للعبها ومناوراتها، ولا تقطع ذلك الخيط الرفيع أبداً، ولا سيما وإن الهدف الاستراتيجي لهم هو بقاء النظام قبل كل شيء.

بالرغم من اتسام الأحداث والتطورات الجارية بين الغرب وإيران بطابع من التوتر، إلا إنها باتت مملة من كثرة تكرار نفس السيناريو الذي يدور في حلقة مفرغة، وحتى إن ترامب الذي صار من كثرة ما لوّح بسيفه لم يعد هناك من يأخذ تهديداته على محمل الجد.

ختاماً، يقول جلال الرومي: لقد كان عند أحدهم حمار ولم يكن لديه سرج له، وعندما وجد السرج، اختطف الذئب الحمار.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف