عندما نقرأ في صفحات التاريخ نفتح مجلدًا من السياسة مكتوبًا بحروف السيادة، ومداد المصالح، وريشة المستقبل.
فلنقف وقفة المتأمل أمام صورتين: أولاهما قديمة، التقطها الزمان على متن الطراد الأميركي "يو إس إس كوينسي" عام 1945، جمعت بين الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت؛ والثانية حديثة، صنعتها الدبلوماسية الحديثة في أيار (مايو) 2025، حين خطا ولي العهد محمد بن سلمان إلى جانب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب على بساطٍ أرجوانيٍّ يليق بكبار القادة.
إنَّ لقاء الملك عبدالعزيز وروزفلت لم يكن مجرد محادثة عابرة بين زعيمين، وإنما كان تأسيسًا لعُقد إستراتيجي يُدعى اليوم بـ"التحالف السعودي الأميركي". لقد التقت آنذاك المصالح البترولية بالرؤية الأمنية، واجتمع الشرق والغرب في نقطة تقاطع نادرة، جعلت من المملكة لاعبًا محوريًا في النظام الدولي الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية.
وأما لقاء الأمير محمد بن سلمان بالرئيس ترامب، فهو امتداد لذلك العقد، وفي الوقت نفسه هو تجديد لعقدٍ آخر؛ عقد رؤية وطنية أراد لها صانعها أن تكون نافذة نحو اقتصاد متنوع، ومجتمع منفتح، ودور قيادي يتجاوز الجغرافيا.
التحالف بين الرياض وواشنطن اليوم يُدار بلغة الاستثمار السيادي، والطاقة المتجددة، والتقنية، والتأثير في مراكز القرار الدولي. لم تعد السعودية تنتظر فقط ضمانات أمنية، ولكن تفرض على طاولة الحوار شروط الشراكة التنموية والسيادة الاقتصادية.
وفي هذه الصورة، نرى ولي العهد كقائدٍ يُفاوض، ويُملي، ويُعيد تشكيل هندسة العلاقة. إنه يكتب السياسة بلغة الرؤية، ويُخضع الإرث التاريخي لمعادلة المستقبل.
ما بين اللقاءين 80 عامًا، ولكن في الحقيقة بينهما رحلة تحوّل من التأسيس إلى التمكين، ومن الصداقة النسبية إلى القيادة التفاعلية. السياسة هنا لم تكن وقائع منفصلة بل تطورًا عضويًا في بنية العلاقة. من النفط إلى الأمن ثم إلى الشراكة المتكافئة في التنمية، والتقنية، والإقليمية.
وما كان لنا أن نغفل عن أن السياسة هي فن صناعة المستقبل، كما أنها مرآة الوعي الوطني. ولو نطق القلم اليوم، لقال: "ما أجدرنا أن نقرأ الصور كما نقرأ النصوص، ففي ملامح القادة تتجلى أبعاد الدولة، وفي نظراتهم تُكتب سياسات الغد".
ليس لقاء 2025 تكرارًا للقاء 1945، فهو تتمة لفصل جديد من الشراكة، تُكتبه القيادة السعودية الجديدة بلغة العصر، ومنطق السيادة، وحكمة التمكين. وما بين عبدالعزيز ومحمد بن سلمان امتداد دولة، ونمو مشروع، وتحوّل أمة.