: آخر تحديث

سلام تركيا وتجربة العراق

0
0
0

إعلان حزب العمال الكردستاني إنهاء القتال ضد الجيش التركي وحلّ نفسه يثير الكثير من المخاوف لدى بعض الأوساط الكردية من عدم جدية الجانب التركي بتحقيق السلام العادل مع الشعب الكردي. ويصل القلق إلى حد أن هناك من يعتبر العملية برمتها مجرد خدعة تركية انطلت على القيادة الكردية لتصفية القضية الكردية في تركيا.

في الحقيقة لا يمكننا الآن التحقق من النوايا التركية وما إذا كانت القيادة التركية جادة فعلاً في طي هذه الصفحة الدامية من تاريخ البلاد، أم أنها فهمت واستوعبت التطورات والأوضاع الدولية والإقليمية الجديدة التي تدعو إلى وضع حد للنزاعات والصراعات السياسية.

على كل حال، ينبغي أن نؤكد هنا بأن إعلان مبادرة حزب العمال الكردستاني يُعد خطوة تاريخية مهمة بالنسبة للقضية الكردية في تركيا، وهي خطوة شجاعة من زعيم الحزب عبدالله أوجلان تتناسق تماماً مع التطورات الدولية وتحقيق السلام العادل في تركيا.

لقد أدت قيادة الحزب وزعيمه التزاماتهم تجاه عملية السلام في تركيا، واتخذت قرارها الصعب بالرغم من تداعياته، وتتجه الأنظار من الآن فصاعداً إلى الاستجابة التركية لهذه المبادرة التاريخية، وفي مقدمتها حل القضية الكردية التي أنكرتها جميع الأنظمة والحكومات التركية منذ أكثر من مائة عام، وحاولت الدولة حسمها بالحرب ولكنها فشلت تماماً في هذا المسعى. ثم أن يجري البرلمان التركي تعديلات دستورية تحقق للشعب الكردي بعضاً من حقوقه القومية المشروعة، والسماح لهم بالمشاركة السياسية على أساس الشراكة والعدالة والمساواة.

أما في حال لم تكن القيادة التركية جادة في حل هذه القضية بشكل نهائي وبما يحقق السلام النهائي، فما أسهل على الشعب الكردي هناك أن يعود إلى الثورة مجدداً لتحقيق مطالبه المشروعة. ولدينا أمثلة كثيرة بهذا المجال تؤكد بأن الكرد على استعداد دائم للثورة من أجل الحفاظ على وجودهم القومي وانتزاع مطالبهم وحقوقهم المشروعة.

ففي العراق، اندلعت ثورة أيلول (سبتمبر) الكردية عام 1961 حين لجأت مجموعة صغيرة لا تتجاوز عدد أصابع اليدين، ومعهم أفراد من الشرطة المحلية، إلى إحدى جبال كردستان ليعلنوا من هناك الثورة ضد حكم عبدالكريم قاسم. واستمرت هذه الثورة لأربعة عشر عاماً، جرت خلالها العديد من جولات التفاوض بين الحكومات والقيادة الكردية والتي تُوّجت بتوقيع بيان 11 آذار (مارس) للسلام، لكن جميع هذه المفاوضات انتهت إلى الفشل بسبب عناد تلك الأنظمة وعدم استعدادها للسلام، وعاد القتال مجدداً بين الطرفين إلى أن تمكن النظام البعثي من توقيع اتفاقية الجزائر عام 1975 مع شاه إيران لإنهاء الثورة الكردية، ولكن بثمن باهظ جداً وهو التنازل عن جزء كبير من السيادة العراقية.

بعد انتكاسة ثورة أيلول (سبتمبر) ووضع السلاح والمقاومة، لم تمر سوى سنة واحدة حتى اجتمع ستة من قيادات الثورة المنفيين في دمشق ليعلنوا تأسيس الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي أعلن الثورة الجديدة في كردستان، والتحق بها جميع القيادات الكردية المنفية في جنوب العراق وخارجه، للمشاركة في الثورة التي انتهت بتحرير كردستان عام 1991، ثم المشاركة الكاملة في حكم العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين عام 2003.

إذن من السهل جداً على الشعب الكردي العودة إلى الثورة والنضال من أجل حقوقه القومية إذا تنكرت الدولة التركية لهذه الحقوق أو تراجعت عن التزاماتها. وعلى الجانب التركي أن يدرك هذه الحقيقة جيداً قبل أن يحاول التملص أو محاولة خداع الشعب الكردي بطرح مبادرة السلام.

للتذكير فقط، عندما اضطرت الحكومة العراقية في عام 1970 لتوقيع اتفاقية السلام مع القيادة الكردية بزعامة المرحوم الملا مصطفى البارزاني، كان عدد أفراد بيشمركة الثورة لا يتجاوز عشرة آلاف عنصر، ولكن عندما تجدد القتال بعد أربع سنوات التحق بالثورة أكثر من 300 ألف مقاتل. وبعد أن كان عدد المفرزة الأولى للثورة الجديدة لا يتجاوز بضعة عشرات، أصبحوا في الأعوام التالية أكثر من مائة ألف ويزيدون. هذه ملاحظة فقط للتذكير.

(فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى) صدق الله العظيم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.