إيران تعود إلى منهجيات الدولة، بعد أن خسرت نحو أربعين عامًا من الزمن، ومئات مليارات الدولارات في مشروع تصدير الثورة والهيمنة السياسية والعسكرية والتمدد في الشرق الأوسط على حساب الدول العربية الضعيفة، التي وقعت ضحية لسياستها الاستحواذية، ونهايتها في التسليم إلى الجبروت الأميركي، بل في شوقها العارم للعلاقة مع أميركا وتلويحها بعرض عقود معها تبلغ ترليونات الدولارات لمشاريع مستقبلية، وكأنها تعلمت الدرس من المملكة العربية السعودية، بعد خسارات فادحة لها وللدول العربية.
قلنا وكتبنا في أكثر من مناسبة ومقال سابق، إنَّ إيران لن تدخل الحرب ضد أميركا، وهي ترى ما حل بالعراق جراء ذلك، من هنا صارت تستخدم الأذرع "العقائدية"، من ميليشيات لبنانية وعراقية ويمنية وغيرها، في خدمة استراتيجية التمدد والتهديد التي كشفت عن زيف وأوهام القوة في لحظة المواجهة الحقيقية مع أميركا، ومن هنا نعيد التذكير بأن إيران ستسلّم المحظورات جميعهن من قبل أميركا وإسرائيل والدول الأوروبية، من أجهزة ومواد السلاح النووي إلى البالستية إلى المسيّرات، إضافة لقطع علاقتها مع الأذرع الفصائلية والانسحاب إلى الداخل.
إقرأ أيضاً: تحرير العراق من إيران: دورة الغزاة في بلاد الرافدين!
مساعي الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وتوجهاته تمثل مرحلة إنقاذ عملية للوضع الإيراني على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبهذا فإنَّ الرجل ومنظومته السياسية والإدارية يبذل جهودًا متميزة، كما يبدو، في نقل القناعات لدى المتشددين، وبقايا زمن الثورة الإسلامية، من استمرار نزيف إيران في استراتيجية خاسرة فاشلة وضعتهم على حافة الإفلاس والتهديد بفقدان النظام نفسه، نحو إيران القابلة للعودة إلى الدولة الصناعية الحديثة وتطوير آفاقها المدنية، وإنعاش أوضاعها الداخلية، بما يجعلها تستعيد دورها الإقليمي الإيجابي، بدل انغماسها في صراعات سياسية وتوليد الميليشيات الطائفية وإثارة الحروب وتغذية الإرهاب تحت مسميات جهادية، حسب التوصيف الغربي لها.
إقرأ أيضاً: أميركا وإيران: استسلام أم حرب؟
عودة النظام الإيراني نحو الداخل والانتقال نحو مشروع الدولة الحديثة والتوافق مع أميركا والغرب، مرهون بنجاح المفاوضات وسلاسة الحوار والإنجاز الذي يؤكد وضوح الموقف الإيراني، وليس الخوض في مناورة سياسية لكسب الوقت، مرونة المفاوض الإيراني وقدرته العالية على المراوغة السياسية أصبحت واضحة للأميركان ومن هنا فإنهم، أي الأميركان، يطالبون بمفاوضات مباشرة وشاملة ومحددة بسقف زمني قصير، وبهذا فإنهم يسحبون الجانب الإيراني لمساحة واقعية الموقف، وليس لفضاء الدبلوماسية المفتوح، فهذا الثنائي ترامب- نتنياهو، يتحينان الفرصة للانقضاض على إيران وافتراسها، واقع حال تنبأ به حشود الأساطيل والطائرات الجاهزة لإقامة حفلات جهنمية في المدن والمصانع والمعسكرات الإيرانية.