تتباين المواقف وتتنافر ظاهرياً على الأقل ما بين الولايات المتحدة الأميركية وملالي طهران حول سعيهم المدروس لامتلاك السلاح النووي كي يجدوا لهم موطئ قدم بين الدول (المعتبرة عسكرياً)، وهم يطمحون إلى التمدد الإقليمي الملبي لطموحاتهم القديمة المتجددة على الدوام.
يبدو أنَّ لعبة شد الحبل بين واشنطن وطهران قد بدأت تأخذ منحى جديداً بناءً على التصريحات الأخيرة التي أفضى بها ترامب خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض منذ أيام؛ حيث أكد الرئيس الأميركي أنَّ المفاوضات حول الملف النووي الإيراني أصبحت تجري بشكل مباشر بين الطرفين وعلى مستوى سياسي رفيع، في حين كانت طهران قبل ذلك تدعي وتصر على أنَّ المفاوضات غير مباشرة، ولكن السؤال الذي يُلحّ على الأذهان بناءً على معرفة سابقة بالإعلام المضلل المخادع الذي أثبتت الأيام أن ما يسوقه هنا وهناك ليس بالضرورة أن يكون هو الحقيقة بعينها، فقد ثبت في السياسة الدولية أن الإعلام لا يُطالب بتسريب الحقائق الصادرة عن ردهات السياسة بقدر ما هو مطالب بالانتقائية الإعلامية المسخرة لخدمة الأهداف المراد تحقيقها بعيداً عن كشف الأوراق وإشهارها المعطّل أحياناً لسير وإتمام ما خُطط لإنجازه.
إقرأ أيضاً: قطع أذرع الملالي إقليمياً وبدء محاصرتهم وجماعاتهم المسلحة
لقد هدَّد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إيران بأنها إن لم تخرج بنتيجة إيجابية من مفاوضاتها مع الولايات المتحدة الأميركية ستحل بها كارثة عظيمة، وهذا نوع من الترهيب الاستباقي لأجل زيادة الضغوط على إيران، ويبدو أنَّ إسرائيل باتت تستشعر خطورة قرب امتلاك إيران للسلاح النووي، حيث الوقت لم يعد فيه متسع لانتظار أطول، لذلك نلمس إصرار ترامب على التنسيق مع إسرائيل فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، وإبعادها عن المفاوضات الجارية بهذا الشأن، فهو لا يريد لها اتخاذ أية خطوة بهذا الخصوص دون علم وموافقة الولايات المتحدة الأميركية.
أمَّا ساسة إيران فقد دأبوا على المراوغة والتضليل في جميع خطواتهم المتسارعة نحو امتلاك القنبلة النووية، وبالمقابل نجدهم بعد تكسير أجنحتهم في كل من سوريا، ولبنان، واليمن، وفلسطين، وربما العراق لاحقاً، قد شعروا بأنهم فقدوا أهم الأوراق التي كانوا يعولون عليها بما يتوافق مع أطماعهم الإقليمية، فالتفتوا إلى محاولة تجاوز الصدمة والتواصل مع خلاياهم النائمة في سورية على أمل حصول تغيير قد يعيدهم إلى (هلالهم الشيعي)، لا سيَّما بعد أن قامت إسرائيل بتدمير معظم القوة العسكرية السورية عقب انتصار ثورتها مباشرة، ولو دققنا بعض الشيء بالأحداث المتسارعة من قصف وتدمير للمواقع السورية لوجدنا أن ذلك يصب في مصلحة ملالي طهران، وأدركنا جيداً أن وجود نظام الأسد وملالي إيران كان داعماً وخادماً لمصلحة إسرائيل، وعلى المستوى الاستراتيجي فإن الولي الفقيه ونظامه وجنوده يبحثون عن أية ثغرة تعينهم على العودة إلى (فردوسهم المفقود) الذي جهدوا في الوصول إليه قبل طردهم منه؛ لكن بيدقهم قد سقط سقوطاً ذريعاً مفاجئاً وأسقط معه أغلى أحلامهم.
إقرأ أيضاً: حشود باريس وضرورة إسقاط نظام الملالي
إنَّ الأمر لم يُحسم بعد من حيث استتباب الأمور في سوريا الجديدة، فالأعداء كُثر، والتربص الداخلي، والعربي، والإقليمي يتحين الفرصة المناسبة للانقضاض واسترجاع ما تم فقده عن طريق حياكة المؤامرات، وتحريك النعرات الطائفية المهيأة أصلاً للحركة.
إنَّ المفاوضات الجارية بين الولايات المتحدة الأميركية وطهران مؤخراً لا نعرف ما ستفضي إليه، وربما يتم الاتفاق بين الجانبين عبر الغرف السرية إلى مقايضات إقليمية قادرة على خلق توازنات في المنطقة العربية فيها نوع من التعويض الرضائي لملالي طهران على حساب الشعوب العربية المغلوبة على أمرها، وتجريدها من حقها المشروع في العيش بحرية وكرامة مثلى مصانة.
إقرأ أيضاً: متظاهرون في ميونيخ: رسائل ودلالات
يجب أن ننتظر ما تتمخض عنه المفاوضات المباشرة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، وننظر هل سيتم التوافق والاتفاق على البنود المطروحة للمناقشة فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني بما يرضي جميع الأطراف، لاسيما إسرائيل المتحفزة للانقضاض؟ بكل الأحوال قد تتنازل أميركا عن بعض ما كانت قد تمسكت به من حيث القدرات العسكرية الإيرانية، لاسيما القوة الصاروخية الباليستية المدمرة، والتي تنظر إليها إسرائيل بعين القلق والتوجس، وهنا هل سيتخلى ملالي طهران عن أطماعهم المعششة في أدمغتهم بهذه السهولة، أم أنهم سيناورون من جديد إن بقي أمامهم وقت للمناورة؟ وهل المناورة الغربية القائمة مع نظام الملالي الحاكم في إيران مسار حقيقي لخلق الاستقرار والسلام في المنطقة؟ ولم لا يكون دعم نضال الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية ووحدات المقاومة من أجل إسقاط هذا النظام وإقامة إيران ديمقراطية وغير نووية... أليس هذا هو الخيار الصائب الذي يتجنبه الغرب؟ يبدو أن الغرب يعمل على إبقاء حكم الملالي في إيران لتبقى المنطقة غارقة في أزماتها!