: آخر تحديث

بالأمس کانوا هنا واليوم قد رحلوا!

10
10
5

التأريخ أکبر وأهم واعظ، وفي طياته الكثير من الأحداث والسير والأمور التي يمكن اعتبارها دروسًا ذات عبرٍ فيما تتضمنه من معانٍ عميقة، ولا سيَّما عندما يتكرر الموضوع ذاته بصور مختلفة، ولكن مضمونه يحمل نفس المعنى والمقصد.  

عندما دخلت القوات النازية الأراضي الروسية، لم تأخذ عبرة مما واجهت القوات الفرنسية حين اجتاحت الأراضي الروسية خلال عهد نابليون، ولا سيما أن هناك الكثير من الصفات التي تجمع بين هتلر ونابليون، والانكسار الذي لحق بالقوات النازية كانت نهايته في برلين!

اللبيب من الإشارة يفهم. أما الجاهل أو الغبي والأحمق، فإنك لو ذكرت له ألف قصة وحادثة ذات عبرة، لن يكترث، وسيمضي على ما قد عقد العزم عليه. مربط فرسنا ومحور حديثنا هو مآلات تدخلات النظام الإيراني في بلدان المنطقة، وحالة الغطرسة والغرور التي اعترته، وهو يفرز هيمنته على أربع عواصم عربية بالإضافة إلى مناطق أخرى عمل من أجلها بكل حرص.

النظام الإيراني من خلال هيمنته على العراق وسوريا ولبنان واليمن، فرض مربعًا كان يطمح إلى جعله مستطيلًا أو حتى دائريًا في حال استمرار مشروعه بالتقدم في المنطقة والتمكن من ضم بلدان أخرى إليه، لكن ما حدث في سوريا جعل الدور والنفوذ الإيراني أثرًا بعد عين، فيما أصبح في لبنان مجرد واجهة سياسية أو في أفضل الأحوال نمرًا من ورق، في حين كانت القيود الأخيرة على ميليشيات الحشد الشعبي في العراق بمثابة ضربة لنموذج "القوة الصارمة ـ الناعمة" الذي تتبناه إيران، ولم يعد من الممكن الجلوس على طاولة المفاوضات وإطلاق الصواريخ على السفارة الأميركية في وقت واحد.

وأخيرًا، بالنسبة إلى اليمن، فإنَّ كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أنَّ خروج النظام الإيراني من اليمن قبل أن يكون تكتيكًا، فإنه يدل على حقيقتين؛ الأولى، أنَّ إعلان النظام الإيراني "ليس لدينا وكيل في اليمن" عندما ألقت الولايات المتحدة اللوم مباشرة على إيران في هجمات الحوثيين، ليس مجرد إنكار وإنما هروب مفضوح. أما الحقيقة الثانية، فهل يعني هذا الخروج نهاية التدخل؟! أو قد يتحرك النموذج الإيراني الجديد نحو "وكلاء غير مرئيين" لنقل السلطة إلى مجموعات الحكم الذاتي المحلية، من دون الحضور الفعلي للمستشارين. ربما يكون هذا استراحة مؤقتة لإعادة بناء الاستراتيجية؛ مثل الثعبان يتراجع قبل أن يهاجم مرة أخرى. لكن الوضع الحالي يظهر أن النظام الإيراني قد كف يده تمامًا عن المنطقة ووكلائه وإلى الأبد.  

كما أنَّ كل صعود سريع وجموح إلى الأعلى من دون الالتفات إلى الخلف، يعقبه في النتيجة سقوط أسرع بكثير إلى الأسفل، فإنَّ الذي حدث للنفوذ الإيراني في بلدان المنطقة يشبه ذلك، ولكن مع اختلاف يجب أخذه بنظر الاعتبار، وهو أنَّ النظام الإيراني لا يتعظ ويأخذ العبرة من حالة ليقي نفسه في حالة أخرى بنفس السياق، والأجدر به، وقبل أن يقع الفأس في الرأس، أن يبادر إلى خروج سريع من العراق واليمن أشبه ما يكون بهروب مشرّف "إذا ما كان فعلًا مشرّفًا"، فهو، أي النظام الإيراني، يسير في طريق نهايته صارت معروفة، حيث إن حزب الله اللبناني ونظام بشار الأسد كانا بالنسبة إلى النظام الإيراني الثور الأبيض، ولذلك الأجدر به ألا يجعل وكلاءه في العراق واليمن في منزلة الثور الأسود كما في القول المأثور "أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض"!  

القول المعروف "القانون لا يحمي المغفلين"، يقابله بالنسبة إلى النظام الإيراني أنَّ التأريخ الذي لا تأخذون الدروس والعبر منه سوف لن يرحمكم في النهاية، وستجدون أنفسكم تتحملون وزر إصراركم على السباحة ضد التيار ورفض الانصياع والرضوخ لسنن التأريخ والتطور، التي كما هو معروف عنها، تسحق كل من يتجاهلها!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.