تابعت مقتطفات من برنامج "مخيال"، وكان لقاءً جميلاً، وجماله في قراءة الواقع السياسي الغربي، وخاصة في أوروبا، للدكتور ماجد التركي، إذ خلاصة حديثه أن القيادات السياسية المؤقتة في أوروبا ليس لها قيمة دائمة، لأن الشخص يأتي إلى المنصب الرئاسي ثم يخرج، بحكم ارتباط الناس بالكنيسة وليس بأشخاص انتهت مهمتهم السياسية. وطرح تساؤلاً ليس الهدف منه الإجابة، إنما الفهم، عند قوله: ما هي قيمة ماكرون بالنسبة للناس؟ لا شيء، فقط هو رمز سياسي مثله مثل أي شخص، لأن القوة الداخلية قد تتحرك كنسياً، فمعظم الصراعات في أوروبا دينية، وإن الليبرالية مجرد شكل أو تطبيق لا يمثل العمق، فهي مجرد قشور، وتتحول إلى عدة أشكال مع مرور الزمن تحت عدة مسميات (المجتمع التقليدي، مجتمع الحداثة، ثم الليبرالية، ثم الليبرالية الجديدة)، وهي محاولة بحث عن نموذج لقيادة الشعوب، وأجد أن لديه قناعة بأن هناك ارتدادات تمس الجانب الشعبي، وقد يحدث نوع من التمردات.
ولكن ربما هناك من يرى أن دولة أوروبية سقطت أو تفشّت فيها الخلافات السياسية الداخلية، وإن حدث ذلك، لا تتجاوز الاعتراضات التي يسهل السيطرة عليها من قبل الحكومة. في أوروبا، الأنظمة السياسية الداخلية والخارجية وُضع لها دستور أو قواعد، سمِّها ما شئت، لكنها ثابتة وقوية، تضمن للدولة الاستمرارية والنمو، وتجعلها ذات قيمة على المستوى الأوروبي والعالمي. على النقيض، في بعض الدول العربية، هناك صراعات صعبة وكوارث إنسانية محزنة، والتطاول على سيادة الدولة. هل سمعنا في يوم من الأيام شعوباً أوروبية تنزل إلى الشوارع تهتف: "الشعب يريد إسقاط النظام"؟
إقرأ أيضاً: انحدار الخطاب الدبلوماسي
هؤلاء تربطهم علاقة روحية وثيقة بدولهم، وبالتالي من الصعب أن يختل النظام فيها. بعض دول أوروبا تعلّمت من درس الماضي، وهي الآن تعيش في استقرار، ولها تأثير عالمي في كل الأحداث التي تحدث.
التنظير السياسي وجرّ الناس إلى مناطق لا تجعلنا نستفيد من تجارب غيرنا لن يغيّر في حياة المجتمعات العربية، ولن يعين دولها على فهم الحياة السياسية. سنظل نرفض الواقع، ولا نملك أي نظام لتغييره!
أما رأيي الشخصي، فإن ما يمنع الشعوب الأوروبية من النزول إلى الشوارع وقلب الأنظمة ليس الوعي أو الإدراك أو الحب لدولهم، ولكن أجهزة الاستخبارات البريطانية، ثم الأميركية، ثم الفرنسية، ثم الألمانية، متفقون على عدم قيادة الشعوب في أوروبا، وضبط إيقاع الأفكار والنزعات على تناغم محدد لا تجد فيه دول أخرى مدخلاً لإحداث الفوضى أو العبث في قناعات الشعوب وتوجيهها. ودور الاستخبارات في إسقاط الأنظمة أو بنائها له شواهد في دول عِدّة، حتى في أوروبا، وخاصة فرنسا، التي شهدت بعضاً من ذلك الدور.
إقرأ أيضاً: سوريا إلى أين؟
وخلاصة ذلك أن الديمقراطية مجرد إطار جميل لنظام عميق يحكم الدول الغربية، وهم متشابهون بالطريقة نفسها، ويختلفون فقط في الألوان السياسية التي يظهرونها للعالم. وما شهدناه لحظة فوز بايدن في الانتخابات الأميركية السابقة على ترامب، عقب رئاسته الأولى، خير دليل على انحطاط الشعوب الغربية لحظة خروجها عن الأخلاق وأدبيات الديمقراطية، وتبقى الأنظمة الملكية وما شابهها هي الأكثر استقراراً في التاريخ.