: آخر تحديث

‏"شارع الأعشى" يعيد السعوديين إلى التاريخ.. والتلفزيون!

0
0
0

‏قلما تهتم الدراما بالتاريخ الاجتماعي الذي يجسد تحولات الشعوب، وغالباً ما تتناوله السينما او الدراما التلفزيونية من باب التسلية او السخرية حتى.
‏ايضاً، المؤرخون طالما سّخروا بحوثهم ومؤلفاتهم للتاريخ السياسي الذي يناجي الصراع على السلطة والنفوذ، متجاهلين تاريخ المجتمعات وثقافتها وحضارتها وتطورها.

‏في التلفزيون نادراً ما يذكر المشاهدون الخليجيون عملاً رصيناً جاء بعد المسلسل الكويتي (درب الزلق) الذي عُرض في محطات المنطقة في النصف الثاني من السبعينات إثر ظهور التلفزيون الملون.
ونجح المسلسل الذي لازال يذكره الناس ويتمثلون شخصياته حتى الان بسبب صدقه ودقته في التعبير عن تراث الكويت وتفاصيل مجتمعها حينذاك.

‏معظم الدراما العربية والخليجية عالجت مشكلات المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. لكنها لم تنقل صورة بانورامية لحقب زمنية مهمة من تحولات المجتمع العربي المعاصر.

جاء مسلسل "شارع الأعشى" المعروض حالياً على mbc ومنصة (شاهد) والتلفزيون السعودي ليصور تحولات المجتمع السعودي في السبعينات والثمانينات وهما عقدان مهمان في التغير الاجتماعي والاقتصادي بالمملكة.
‏المسلسل مأخوذ من رواية للكاتبة والروائية السعودية د/ بدرية البشر صدرت في عام 2013 عن دار الساقي بعنوان "غراميات شارع الأعشى" وهو الشارع الذي يقع في حي منفوحة القرية التي شهدت مسقط رأس وحياة ومدفن صناجة العرب.

‏والكاتبة البشر نشأت في كنف الصحافة السعودية وشهدت بنفسها التحولات الكبرى في المجتمع السعودي وبمهاراتها الإبداعية صورت بدقة وصدق تفاصيل التحولات المجتمعية في وطنها اولاً عبر معالجة التحديات والمشكلات الاجتماعية بالمقالة الصحفية ثم عبر الرواية. ونجحت في ذلك بسبب توظيف تجربتها المهنية وخيالها الادبي.

‏نجاح المسلسل ليس فقط بسبب عبقرية الكاتبة الروائية بل وأيضا بسبب الجهد الفني المتقن للفريق الفني من ممثلين وسيناريست ومصورين ومخرجين. حيث نجح العمل في تقديم وجوه فنية جديدة تجاوزت فيها نجوم الدراما التقليدية خلال العقود الثلاثة الماضية. وبشر بولادة جيل جديد مبدع للقطاع الفني السعودي في فرعيه؛ التلفزيون والسينما. 
‏وللحق ان قدرة الممثلين على التعبير باللهجات النجدية في الرياض وبواديها كان عنصراً هاماً في النجاح.

‏من المنصف القول ان طاقم الاخراج التركي بقيادة المخرج التركي المبدع أحمد كاتيكسيز صاحب فيلم "Champion" له فضل كبير بنجاح المسلسل. وهو ما سيؤدي لاحقاً على الارجح لتطور التعاون الفني بين السعودية وتركيا لاحقاً.

‏موضوعياً،  يبدو ان مصدر الاغراء في المسلسل عاملان هامان الاول قدرة المسلسل على تجسيد مرحلة تاريخية مهمة من حياة السعوديين جرى حولها جدل سياسي كبير ربما لازال قائماً، فقد صور المسلسل طبيعة المجتمع السعودي قبل واثناء ومابعد حقبة ما يسمى (الصحوة) وهي فترة سطوة التيار الديني على المجتمع السعودي، وتأثيرات هذه الحقبة سياسياً واجتماعياً وفكرياً.

‏وقد تسببت تلك الفترة في نتيجتين خطيرتين الاولى اقتحام المتطرفين للمسجد الحرام عام 1979 والثانية المساهمة بدفع الشباب السعودي للانغماس في الصراعات الإسلامية الخارجية (افغانستان والشيشان) ثم الانخراط لاحقاً بالجماعات الارهابية.

‏العامل الثاني في إغراء المسلسل هو قدرته في التعبير عن دفء وصدق العلاقات الغرامية المتدفقة بين الناس البسطاء باحد الأحياء الشعبية وسط العاصمة السعودية، وهي الطبيعة التي سيطرت على مضمون وروح المسلسل في حلقاته حتى الان مما عكس الاجواء الطبيعية للمجتمع السعودي قبل (الصحوة) وكأنه يؤكد الاطروحات الراهنة حول انفتاح المجتمع السعودي وتسامحه في عقد السبعينات وقبل الثمانينات عقد التشدد.

‏وقد لوحظ ان المسلسل قد أعاد السعوديين وخاصة الشباب من جيل الألفية إلى الشاشة الصغيرة بعد ان أغراهم اليوتيوب بهجرانها في العقد الأخير. وكأن هذا الجيل الجديد المنفتح يريد ان يُكون رأيه السياسي من التاريخ باستقلالية.

‏كما ان الفكرة العاطفية المشوبة بالحرارة في المسلسل مصدر اطمئنان لخياراته الاجتماعية والعاطفية المتحررة، وليست تمرداً على المجتمع بل نهل من ميراثه الثقافي، لا قطيعة معه او تصادماً في قيمه.
وهذه نتيجة طبيعية لصراع الهويات خاصة في العقل الاجتماعي خلال التحولات العميقة للمجتمعات المحافظة مثلما هو الأمر في المملكة!
‏قد يعيد مسلسل "شارع الأعشى" من جديد وان بطريقة جديدة خلق الحوار داخل المجتمع حول القضية الثقافية-السوسيولوجية التي كانت قد بدأتها الصحافة السعودية قبل عقود حول قيم الحداثة، والتحديث والانفتاح وهندستها المعاصرة داخل الهوية الوطنية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.