: آخر تحديث

الخِطبَة الأسبوعية.. وتنوع البيئات

87
98
70

 حسن حنفي 

اختلفت المؤسسة الدينية في مصر حول إشكالٍ تم طرحه في الآونة الأخيرة؛ فوزارة الأوقاف بدا أنها مع وحدة خطب الجمعة في جميع مساجد الجمهورية، فيما اتضح أن الأزهر الشريف مع تعدد هذه الخطب. وللموضوع أصوله الفقهية، وربما أبعاده السياسية أيضاً. أما الجمهور فلم يدخل في الموضوع وكأنه موضوع ديني بحت يخص أهل الفقه والعلوم الشرعية، لا يمس عامة الناس كما يمسهم أي موضوع آخر مثل غلاء الأسعار أو باقي موضوعات شؤون حياتهم اليومية.

ومعلوم أن خطبة الجمعة هي ذلك الخطاب الأسبوعي الذي يتم فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا أصل من أصول الدين بالنسبة للمعتزلة على الأقل، والذين وضعوه إلى جانب الأصول الأربعة الأخرى: التوحيد، والعدل، والمنزلة بين المنزلتين، والحسن والقبح العقليان. وقد كان الصحابة والتابعون ينتظرون خطبة الجمعة لمعرفة سياسة دولة الخلافة. وكان الرسول في خطبته يقوم بهذا الدور بقوله: «ما بال قوم»، وينتقد هؤلاء القومَ دون تسميتهم حتى لا يحرج أحداً. وكان الخليفة عمر بن الخطاب يعمل مثل ذلك ويقول: «رحم الله من أرشدني إلى عيوبي»، فيقوم أحد المصلين قائلاً: «والله لو علمنا فيك عيباً لقومناه بسيوفنا».. تلك مسؤولية العلماء، والعلماء ورثة الأنبياء.

ويتوقع أن تركز خطبة الجمعة الموحدة في مصر على موضوعات تدخل في باب العبادات دون المعاملات. نعم، العبادات مطلوبة ولا يرفضها أحد، لكنها لا تشمل شؤون الحياة اليومية. وما دامت المساجد تحت سيطرة وزارة الأوقاف (وليس الأزهر)، فإمكانها توحيد الخِطبَة وتكريسها لرأي واحد وليس لآراء متعددة كما يريد البعض.

أما الخِطبَة المتعددة فهي التي تتنوع موضوعاتها طبقاً للمكان والزمان، أي طبقاً للبيئة المحلية التي يعيش فيها الخطيب والمصلون حتى يكون لها صدى في النفوس. فالخطبة في سيناء يكون موضوعها كيف يعيش أهالي سيناء وكيف يشعرون بأنهم جزء من الوادي، وبأن مصر لن تكون أقل حواراً معهم مما كان يحدث في عهود سابقة. ويكون الموضوع هو تعمير سيناء، واستغلال ثرواتها لصالح أهلها. وموضوع الخِطبَة في حلايب وشلاتين هو الوحدة المشتركة بين مصر والسودان، والتي طالما وجدت منذ عصر محمد علي حتى الملك فاروق (ملك مصر والسودان)، مع التذكير بموقف النحاس باشا الذي قال قبل ثورة 1952: «تقطع يدي ولا أوقع على اتفاقية فصل مصر عن السودان».. مع التشديد على أنه لا يمكن أن يكون هناك أي نزاع بين مصر والسودان حول حلايب وشلاتين، إذ يمكن تركها منطقة مفتوحة يعيش فيها الإخوة والأشقاء كما فعل عبد الناصر مع وادي حلفا.

وهكذا تتنوع موضوعات الخطب الدينية طبقاً للأوضاع الاجتماعية والسياسية في كل بيئة. وعلى ذلك النحو، لن تكون هناك شكوى من تسييس الدين رغم أن الخِطبَة في هذه الحالة تناقش الواقع الاجتماعي والسياسي. وربما كان الأفضل للناس في مصر أن يجدوا هذا النوع من الخطاب الديني؛ فيصيبون عصفورين بحجر واحد: الخطاب الديني المستنير، والخطاب السياسي الشرعي.. وبذلك تنتهي ظاهرة التطرف الديني أو السياسي.

ولا حيلة للناس، مثقفين وعامة، إلا الخلط بين الدين ورجال الدين، رغم أن ما يتكلم فيه رجل الدين، والأحكام التي يصدرها من فوق المنابر أو من على شاشات القنوات الفضائية.. كل ذلك ليس هو الدين بذاته.. بل معظمه تكسُّبٌ بالدين وتجارة باسمه. إنما الإسلام يحمله العلماء الذين يقدرون الاختلاف في الرأي ويجتهدون فيه؛ فمن أصاب فله أجران، ومن أخطأ فله أجر واحد هو أجر الاجتهاد وإعمال الفكر، بشرط أن يكون في محاولته خالصَ النية لله تعالى وليس لغاية أخرى؛ منصب أو مال أو شهرة.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد